للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"الذي لا يموت" أي فأنت -يا إلهي- الحي القيوم، الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، لا مبدأ لوجودك ولا منتهى لبقائك، وأنت الغني بذاتك عن كل ما سواك، والخلق كلهم فقراء إليك، وكانوا عدما قبل إيجادك إياهم، وهم عرضة للأمراض، والآفات والتغيرات والفناء، وأنت يا رب الباقي وحدك، والخلق كلهم يموتون، فلا رب سواك يتصرف بالخلق كيف يشاء، ويغير ولا يتغير، -جل وعلا-.

قوله: "والجن والإنس يموتون" المقصود بذكر الجن والإنس: جنس الخلق، والمعنى: أن الخلق كلهم يموتون، ولا يبقى إلا الحي القيوم، كما قال-تعالى-:

{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ {٢٦} وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} (١) ، وسمى الجن جناً لاستتارهم عن أعين الناس، من الاجتنان، كما قال-تعالى-: {يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ} (٢) ، وأما الإنس فسموا بذلك لأن بعضهم يأنس ببعض غالباً، أو أنهم يرون ويأنسون، أي يحس بهم ويشاهدون، وذكر الجن والإنس لا ينفي عن الملائكة الموت؛ لأن هذا خاص قصد به الجن والإنس، أو على ما تقدم ذكر الجنس، والمقصود عموم الخلق. وقد جاء ما يدل على هلاك عموم الخلق كقوله-تعالى-: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} (٣) .

وقد قيل: إن الملائكة يدخلون في الجن؛ لاجتنانهم واستتارهم عن أعين الناس، والله أعلم.


(١) الآيتان ٢٦، ٢٧من سورة الرحمن.
(٢) الآية ٢٧ من سورة الأعراف.
(٣) الآية الأخيرة من سورة القصص.

<<  <  ج: ص:  >  >>