فبطلان قول هؤلاء المعطلة -الذين جعلوا صفات الله-تعالى- نوعاً من المخلوقات، وحاولوا إبطالها بالتأويلات البعيدة السخيفة-واضح وظاهر، وذلك من وجوه:
"الأول: أن النبي -صلى الله عليه وسلم - قال: حتى يضع، ولم يقل: حتى يلقى {فيها} كما في قوله: "لا يزال يلقى في النار".
الثاني: أن قوله: "قدمه" لا يفهم منه هذا {الذي قالوه} لا حقيقة، ولا مجازاً، كما تدل عليه الإضافة.
الثالث: أن أولئك المؤخرين، إن كانوا من الأصاغر المعذبين، فلا وجه لانزوائها واكتفائها بهم، فإن ذلك إنما يكون بأمر عظيم، وإن كانوا من الأكابر المجرمين، فهم في الدرك الأسفل من النار، وفي أول المعذبين، لا في أواخرهم.
الرابع: أن قوله: "فينزوي بعضها إلى بعض" دليل على أنها تنضم على من فيها فتضيق بهم، من دون أن يلقى فيها شيء.
الخامس: أن قوله: "لا يزال يلقى فيها وتقول: هل من مزيد؟ حتى يضع فيها قدمه" جعل وضع القدم الغاية التي إليها ينتهي الإلقاء، ويكون عند ذلك الانزواء، فيقتضي أن تكون الغاية أعظم مما قبلها، وليس في قول {هؤلاء} المعطلة معنى للفظ {قدمه} إلا وقد اشترك فيه الأول والآخر، والأول أحق به من الآخر"(١) .
يضاف إلى ذلك: أن هذا الكلام الواضح البين الذي إذا سمعه السامع لم يتبادر إلى ذهنه إلا ظاهره اللائق بجلال الله-تعالى-؛ فلو كان ظاهره غير مراد للمتكلم، وأن المراد منه ما ذكره هؤلاء المحرفون، لصار إلى الألغاز والتعمية أقرب، ولا يكون المتكلم بذلك قد أدى ما وجب عليه من البلاغ والبيان؛ وهذا