للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من أبطل الباطل.

وقد علم أن المتكلم بهذا الكلام أفصح الناس وأقدرهم على الإيضاح والبيان لما يريد، وهو أيضاً أنصحهم لأمته، وأعلمهم بالله وبما يجب له، وما يمتنع عليه، وهو أيضا أحرصهم على إيصال الخير والنفع إلى الخلق، ودفع الشر عنهم، فيستحيل مع هذه الأمور أن يكون ظاهر كلامه باطلاً يدل على الكفر والتشبيه -كما زعم المعطلة المؤولة {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا} (١) ، فظهر بذلك بطلان قول المعطلة، والحمد لله رب العالمين.

قال أبو سعيد الدارمي: "وما دعوى المعطل بأن القدم: أهل الشقوة الذين تقدم في علم الله أنهم يلقون في جهنم، واستدلاله بما روي عن ابن عباس، في قوله-تعالى-: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ} (٢) قال: ما قدموا من أعمالهم.

فيقال: من المشهور عن ابن عباس، أنه قال: "الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدر قدره إلا الله"، وهذا صحيح مشهور عن ابن عباس (٣) ، ودعوى المعطل أنها لا تمتلئ حتى يلقى الله فيها الأشقياء، الذين هم قدم الجبار-عند أهل التأويل- دعوى باطلة، وهل استزادت إلا بعد مصير الأشقياء إليها؟ أفيلقيهم فيها ثانية؟ أو أنه -تعالى- حبس عنها الأشقياء، وألقى فيها السعداء، فلما استزادت ألقى فيها أهل الشقوة؟

وأما ردهم الحديث بقوله - تعالى: {لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ


(١) الآية ٥ من سورة الكهف.
(٢) الآية الثانية من سورة يونس.
(٣) رواه أبو سعيد الدارمي في "الرد على المريسي" (ص٤٢٥) ، "مجموع عقائد السلف"، والحاكم في "المستدرك"، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي (٢/٢٨٢) ، وابن جرير في "التفسير" (٥/٣٩٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>