للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هل يجوز – مع هذا كله وغيره – أن يترك الكتاب المنزل عليه، وسنته الغراء، مملوءان بما يزعم أهل التأويل أن ظاهره تشبيه وتجسيم، ومن اعتقد ظاهره – بزعمهم- فهو ضال مشبه لله ومجسم، ثم لا يبين ذلك ولا يوضحه، بل يكثر من ذكر ما يؤيد الظاهر بكل صراحة؟ إنه لا يعتقد ذلك ويقوله إلا ضال في دينه لم يعرف ما أنزل الله على رسوله، ولم يعرف الرسول حق المعرفة.

قال ابن القيم: " واطراد لفظ اليد في موارد استعمالها، وتنوع ذلك، يوجب أن تكون اليد حقيقة، كقوله -تعالى-: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} (١) ، {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} (٢) ، {وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} (٣) .

فلو كان المراد: القدرة، أو النعمة، لم يستعمل منه لفظ "يمين"، كما في الحديث "المقسطون عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين" (٤) ، فلا يصح أن تكون يد القدرة، والنعمة، وقوله: " يقبض الله سماوات بيده، والأرض باليد الأخرى، ثم يهزهن، ثم يقول: أنا الملك" (٥) فالهز والقبض، وذكر اليدين، يمنع ذلك.

ولما ذكر ذلك رسول الله –صلى الله عليه وسلم- جعل يقبض يديه ويبسطهما، تحقيقاً للصفة، لا تشبيهاً لها، كما أنه –صلى الله عليه وسلم- لما قرأ قوله -تعالى-: {وَكَانَ اللهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} (٦) وضع إصبعه على عينه والأخرى على أذنه؛ تحقيقاً لصفة السمع والبصر.


(١) الآية ٧٥ من سورة ص.
(٢) الآية ٦٤ من سورة المائدة.
(٣) الآية ٦٧ من سورة الزمر.
(٤) تقدم تخريجه.
(٥) تقدم تخريجه.
(٦) الآية ١٣٤ من سورة النساء.

<<  <  ج: ص:  >  >>