للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما تعليله لإنكاره إثبات اليد لله -تعالى- والأصابع، بأن اليد المتعارف عليها هي الجارحة، وذلك ممتنع على الله -تعالى-.

فالجواب: أن هذا ممتنع لو كانت اليد التي أثبتها الله لنفسه من جنس أيدي المخلوقين، أما إذا كانت يداً تناسب ذاته وتليق بعظمته، فما هو المانع من ذلك في العقل والشرع؟ وما هو الموجب لتلك التمحلات؟

وكل ما يذكر أهل التأويل إنما يدل على امتناع وصفه –تعالى- بما يستحقه المخلوق، وخصائص المخلوقين منفية عنه –تعالى-، وكل ما أثبت لله –تعالى- من الصفات فهي كمال، وفقدها نقص –تعالى- عنه.

ثم هل يجوز مع كثرة ما في كتاب الله، وسنة رسوله، من ذكر اليد، دالاً على الحقيقة، مثل ذكر خلق آدم بيديه، وأنهما مبسوطتان، وأن الأرض جميعاً قبضته يوم القيامة، وأن السموات مطويات بيمينه، وأن بيده الملك، وفي السنة ما لا يحصى إلا بمشقة، مثل ذكر الأصابع، والقبض، والبسط، واليمين، والشمال، وأن يديه كلتاهما يمين، ثم لا يبين الرسول –صلى الله عليه وسلم- أن هذا غير مراد منه الظاهر والحقيقة، مع حضه لنا على الفهم؟ وهل يجوز أن يفهم صحابته والتابعون لهم من هذه النصوص غير الحق المراد منها، ولا يعرف الحق فيها إلا جهم بن صفوان – بعد انقراض عهد الصحابة – وبشر بن غياث- وأشباههما ممن هو مغموص عليه في النفاق؟ مع أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- قد علم أمته كيف يقضون الحاجة، وكيف يأكلون ويشربون، وينامون، ويدخلون بيوتهم ويخرجون، حتى أنزل الله –تعالى- عليه في آخر ما أنزل: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} (١) ، والرسول –صلى الله عليه وسلم- يقول: " تركتم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك" (٢) .


(١) الآية ٣ من سورة المائدة.
(٢) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>