للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما استعمال لفظ الواحد في الإثنين، والاثنين في الواحد، فلا أصل له في اللغة؛ لأن هذه الألفاظ عدد، وهي نصوص في معناها، لا يتجوز بها، فلا يجوز أن تقول: عندي رجل، وأنت تريد اثنين، ولا عندي رجلان، وأنت تريد واحداً، ولا عندي رجلان، وأنت تريد الجنس؛ لأن اسم الواحد يدل على الجنس، والجنس فيه شياع، وكذلك اسم الجمع فيه معنى الجنس، والجنس يحصل بحصول الواحد.

فقوله -تعالى-: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} لا يجوز أن يراد به القدرة؛ لأن القدرة صفة واحدة، ولا يجوز أن يعبر بالاثنين عن الواحد.

ولا يجوز أن يراد به النعمة؛ لأن نعم الله لا تحصى، فلا يجوز أن يعبر عن النعم التي لا تحصى بصيغة التثنية.

ولا يجوز أن يكون كما قالوا: لما خلقت أنا؛ لأن العرب إذا أرادوا ذلك أضافوا الفعل إلى اليد، فتكون إضافته إلى اليد إضافة له إلى الفاعل.

كقوله: {بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} (١) ، {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} (٢) ، ومن هذا قوله -تعالى-: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ ً} (٣) .

أما إذا أضيف الفعل إلى الفاعل، وعدى الفعل إلى اليد بحرف الجر كقوله -تعالى-: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} فإنه يكون نصاً في أنه فعل ذلك بيديه.

ولهذا لا يجوز لمن تكلم، أو مشى، أن يقول: فعلت ذلك بيدي، ولكن يقال: فعلته يداك؛ لأن مجرد قوله: " فعلت" كاف في الإضافة إلى الفاعل، فلو لم يرد أنه فعله باليد حقيقة كان قوله: {بيدي} زيادة لا فائدة فيها، ولا تجد في كلام العرب أن فصيحاً يقول: فعلت هذا بيدي، إلا وأنه فعله بيديه حقيقة، ولا يجوز أن يقول ذلك وهو ليس له يد" (٤) .


(١) الآية ١٠ من سورة الحج.
(٢) الآية ١٨٢ من سورة آل عمران.
(٣) الآية ٧١ من سورة يس.
(٤) "مجموع الفتاوى" (٦/٣٦٣-٣٦٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>