للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وارتفع بعد أن كان تحتها - إلى تأويله بالمجهول، المستكره، ثم لم ينج مما هرب منه.

فيقال له: زعمت أن تأويل قوله: " استوى ": أقبل، أفكان مدبراً عن السماء فأقبل إليها؟ فإن زعم أن ذلك ليس بإقبال فعل، ولكنه إقبال تدبير، قيل له: فكذلك فقل: علا عليها، علو ملك، وسلطان، لا علو انتقال وزوال، ثم لن يقول في شيء من ذلك قولاً، إلا لزم في الآخر مثله" (١) .

قوله: " فقل: علا عليها علو ملك وسلطان، لا علو انتقال وزوال" هو من جنس كلام أهل البدع، فلا ينبغي، وهو خلاف الظاهر من النصوص، بل هو من التأويل الباطل.

قال ابن القيم: " نقل معنى الاستواء، كنقل لفظه، بل أبلغ، فإن الأمة كلها تعلم بالضرورة أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أخبر عن ربه بأنه استوى على عرشه، من يحفظ القرآن منهم، ومن لا يحفظه، كما قال مالك، وأئمة السنة: الاستواء معلوم، غير

مجهول، كما أن معنى السمع، والبصر، والقدرة، والحياة، والإرادة، وسائر ما أخبر به -تعالى- عن نفسه معلوم، وإن كانت كيفيته غير معلومة للبشر، فإنهم لم يخاطبوا بالكيفية، ولم يرد منهم العلم بها.

فإخراج الاستواء عن حقيقته المعلومة، كإنكار لفظه، بل أبلغ، وهذا مما يعلم أنه مناقض لما أخبر الله به ورسوله، فإن فهم معنى اللفظ هو المراد منه، وهو المقصود بالذات، لا اللفظ، فإن اللفظ مقصود قصد الوسائل للتعريف بالمراد، فإذا انتفى المعنى، وكانت إرادته محالاً - كما زعموا - لم يبق لذكر اللفظ فائدة، بل كان تركه أنفع من الإتيان به، فإن الإتيان به يحصل منه إيهام التشبيه، ويوقع الأمة في اعتقاد الباطل - على حد زعمهم - ولا ريب أن هذا إذا نسب إلى آحاد الناس كان ذمة أولى من مدحه، فيكف يجوز أن ينسب إلى من في كلامه الهدى، والشفاء؟ ومن المتفق عليه أنه لا يجوز أن يتكلم الله ورسوله


(١) "تفسير الطبري" (١/٤٣٠) بتحقيق محمود شاكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>