للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأرض وما بينهما في ستة أيام، وسواءً قيل: إن تلك الأيام بمقدار هذه الأيام المعروفة بطلوع الشمس وغروبها، أو أنها أكبر منها، وأن كل يوم قدره ألف سنة.

والحق أن تلك الأيام، التي خلقت فيها السموات والأرض غير هذه الأيام، وغير الزمان الذي هو مقدار حركة هذه الأفلاك، وأن تلك الأيام مقدرة بحركة أجسام موجودة قبل خلق السماوات والأرض.

وقد أخبر - سبحانه وتعالى - أنه {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} (١) فخلقت من الدخان.

وقد جاءت الآثار عن السلف، أنها خلقت من بخار الماء، وهو الماء الذي كان العرش عليه، قبل وجود هذا الخلق، كما قال -تعالى-: {وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء} (٢) .

فأخبر -تعالى- أنه خلق السماوات والأرض في مدة، ومن مادة، ولم يذكر القرآن أنه خلق شيئاً من لا شيء، ولا يعارض هذا بقوله -تعالى-: {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا} (٣) ؛ لأنه تعالى قد أخبر أنه خلقه من نطفة" (٤) ، وخلق أباه من تراب، وقد أخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن الملائكة خلقت من نور، والجن من النار.

وهذه الجملة من الحديث هي محل الشاهد، وهو دليل على عظم العرش، وأن له شأناً غير شأن السماوات والأرض، وأن وجوده قبل وجودهما.

وقوله: " ثم خلق السماوات والأرض " نص في ذلك؛ لأن "ثم" تفيد الترتيب مع التراخي، أي: ترتيب خلق السماوات والأرض على وجود العرش والماء.

ولا شك أن العرش والماء مخلوقان، ولم يذكر الله - جل وعلا- لنا وقت خلق العرش والماء، كما لم يذكر لنا أن له مخلوقات قبلهما، ولكن النصوص من الوحي، والفطرة والعقل السليم، تدل على أن الله -تعالى- لم يزل يفعل ما يشاء، ويتكلم


(١) الآية ١١ من سورة فصلت.
(٢) الآية ٧ من سورة هود.
(٣) الآية ٩ من سورة مريم.
(٤) "مجموع الفتاوى" (١٨/٢٣٥) بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>