بما يشاء، وهذا من الكمال الواجب له، والذي يليق به -تعالى-.
وما يقوله المتكلمون من المعتزلة، والأشاعرة، ومن تبعهم، من أن هذا الكون المشاهد لنا، وما يتصل به من السموات والأرض، وكذلك العرش والماء، هو مبدأ فعله وخلقه، وليس قبله شيء من مفعولاته، يخالف كماله الواجب له -تعالى-.
فإنه وصفه -تعالى- بأنه لم يكن قادراً على الفعل والكلام ونحوهما من صفات الكمال، ثم صار قادراً على ذلك، فيه نقص يجب أن ينزه عنه، وقدرته التامة الكاملة التي هي من لوازم ذاته -تعالى- تفيد خلاف هذا القول، وهي من أظهر صفات الكمال، ولا يجوز أن تقيد صفاته -تعالى- وأفعاله بوقت دون وقت.
وباليقين العقلي يمتنع أن يكون قادراً بعد أن لم يكن كذلك، إلا بأمر جعله قادراً، ومن المحال أن يؤثر فيه شيء غيره، فإذا لم يكن هناك إلا العدم المحض استحال كونه قادراً، بعد أن لم يكن كذلك.
كما يمتنع أن يكون عالماً بعد أن لم يكن كذلك، وأن يكون سميعاً بصيراً، بعد أن لم يكن، أما المخلوق المفعول، مثل الإنسان، فإنه كان غير عالم، ولا قادر، فجعله الله عالماً قادراً.
وقوله:" وكتب في الذكر كل شيء" الكتابة هنا أضيفت إلى الله -تعالى- ولا يتعين منه أنه -تعالى- باشر الكتابة بنفسه، بل يجوز أن يأمر بذلك ما يشاء.
وقد جاء الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- موضحاً ذلك، كما في حديث عبادة بن الصامت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:" إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، قال: رب، وما أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة"(١) .
والمقصود بالذكر هنا: محل الكتابة، وهو اللوح المحفوظ.