وإنما هذا القول وأمثاله ابتدع في الإسلام، لما ظهر إنكار أفعال الرب -تعالى- التي تقوم به، ويفعلها بقدرته، ومشيئته، واختياره، فصار كل يفسر القرآن على ما يوافق قوله، واعتقاده.
وأما السلف فأقوالهم في هذا الباب متفقة، وإن اختلفت عباراتهم، فمقصودهم واحد، وهو إثبات علو الله واستوائه على عرشه.
فإن قيل: إذا كان الله لا يزال عالياً على المخلوقات، فكيف يقال: ثم ارتفع إلى السماء وهي دخان؟ أو يقال: ثم علا على العرش؟
فالجواب: أن هذا كما أخبر أنه ينزل إلى السماء الدنيا ثم يصعد، وروي:" ثم يعرج" وكما أخبر أنه يجيء لفصل القضاء بين عباده، وهو سبحانه لم يزل فوق، فإن صعوده من جنس نزوله ومجيئه، وهو –تعالى- في نزوله ومجيئه، لا يصير شيء من المخلوقات فوقه، فهو سبحانه يصعد، وإن لم يكن منها شيء فوقه.
فإن قيل: فإذا كان إنما استوى على العرش بعد أن خلق السماوات والأرض في ستة أيام، فقبل ذلك: هل كان على العرش، أو لم يكن؟
قيل: الاستواء علو خاص، فكل مستوٍ على شيء عال عليه، وليس كل عال على شيء مستو عليه، ولهذا لا يقال لكل ما كان عالياً على غيره: إنه مستو عليه، ولكن كل ما قيل: إنه استوى على كذا، فهو عالٍ عليه.
والذي أخبر الله -تعالى- أنه كان – خلق السماوات والأرض – الاستواء، لا مطلق العلو، مع أنه يجوز أنه كان مستوياً عليه قبل خلق السماوات والأرض، لما كان عرشه على الماء، ثم لما خلق هذا العالم كان عالياً على العرش، ولم يكن مستوياً عليه، ثم استوى عليه بعد ذلك (١) . والأصل أن علوه على المخلوقات، وصف لازم له، كما أن عظمته وكبرياءه
(١) أو يقال: إن الاستواء بعد خلق السماوات والأرض، استواء خاص غير الذي قبل ذلك.