للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال: " وقال الثعلبي: قال الكلبي، ومقاتل: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} يعني: استقر، قال: وقال أبو عبيدة: صعد.

وقيل: استولى، وقيل: ملك، واختار هو (١) ما حكاه عن الفراء وجماعة أن معناه: أقبل على خلق العرش، وعمد إلى خلقه، قال: ويدل عليه قوله: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ} (٢) أي: عمد إلى خلق السماء.

وهذا من أضعف الوجوه (٣) ، فإنه قد أخبر أن العرش كان على الماء قبل خلق السماوات، والأرض، وكما مر في حديث عمران: " كان الله، ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، ثم خلق السماوات والأرض ".

فإذا كان العرش مخلوقاً، قبل خلق السماوات والأرض، فكيف يكون معنى استوائه عليه، بعد خلق السماوات والأرض، هو عمده إلى خلقه، مع أنه لا يعرف في اللغة "استوى" بمعنى: عمد إلى فعل كذا، لا حقيقة، ولا مجازاً، لا في النثر، ولا في النظم.

ومن قال: استوى، بمعنى عمد، ذكره في قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ} (٤) ؛ لأنه عدى بحرف الغاية، كما يقال: عمدت إلى كذا، وقصدت إلى كذا، ولا يقال: عمدت على كذا، ولا قصدت عليه، مع أن هذا أيضاً غير معروف في اللغة، ولا هو قول أحد من مفسري السلف، بل المفسرون من السلف بخلاف ذلك.


(١) يعني الثعلبي، وهذه الأقوال منقولة من تفسيره، وهو يجمع فيه بين المتناقضات، وليس لديه تميز لمذهب السلف.
(٢) الآية ١١ من سورة حم فصلت.
(٣) بل هو باطل مخالف للنصوص الواضحة، وقد تقدم بيان بطلانه. وهذا الذي اختاره الثعلبي هو قول الجهمية والمعتزلة، ومن تبعهم من الأشعرية وغيرهم من أهل البدع.
(٤) الآية ١١ من سورة حم فصلت.

<<  <  ج: ص:  >  >>