للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن زعم أن الله يأمر بهذا، فهو مفتر على الله.

وإن كان الملك يقول امتحاناً، فهذا لا يصلح، كما لا يصلح أن يقول أحد من الأنبياء والمرسلين للناس: أنا ربكم، على سبيل الامتحان.

ولسنا ننكر الامتحان في القيامة، فإن المحنة لا تنقطع إلا بدخول دار الجزاء، الجنة أو النار، ولكن المحنة من الملائكة أن يقول للعبد: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟

الوجه الخامس: أنه لو كان الممتحن لهم في ذلك الموقف، ملكاً من الملائكة، لقال لهم: من ربكم؟ ومن تعبدون؟ ويقال لهم: هلا تذهبون مع ربكم؟ إذ من الممكن أن يظهر لهم صورة، ويقول لهم الملك: هلا تذهبون مع هذه الصورة؟ كما أنه في أول الحديث قال: وأذن مؤذن: لتتبع كل أمة ما كانت تعبد.

فلو كان المخاطب لهم عن الله – تعالى – لقال ما يصلح له، كما في نظائر ذلك، ولكن من شأن الجهمية أنهم يجعلون المخاطب للعباد بدعوى الربوبية غير الله، كما قالوا: إن الخطاب الذي سمعه موسى، بقوله: {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ} (١) ، كان قائماً بمخلوق، كالشجرة، وكما قالوا: في قوله: ((من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟)) (٢) . إنه يقول هذا ملك من الملائكة. وهذا كله من الكفر والإلحاد. وكما يزعم الرازي في قوله: {وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} (٣) . أن ربه ملك من الملائكة.


(١) الآية ١٢ من سورة طه.
(٢) الحديث سيأتي.
(٣) الآية ٢٢ من سورة الفجر، انظر: ((تفسير الرازي)) (٣١/ ١٧٣) ومراده قوله: ((الرب هو المربي، ولعل ملكاً هو أعظم الملائكة هو مربِّ للنبي – صلى الله عليه وسلم – جاء، فكان هو المراد من قوله: وجاء ربك)) (ص ١٧٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>