للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبي هريرة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه)) (١) .

وذكر بعض ما تقدم من روايات الحديث، ثم قال: لم يكن بين السلف، من القرون الثلاثة نزاع في أن الضمير في هذا الحديث عائد إلى الله – تعالى – فإنه مستفيض من طرق متعددة، عن عدد من الصحابة، وسياق الأحاديث كلها تدل على ذلك، وهو أيضاً مذكور فيما عند أهل الكتابين، من الكتب، كالتوراة، وغيرها، وما كان من العلم الموروث عن نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم -، فلنا أن نستشهد عليه بما عند أهل الكتاب، كما قال تعالى: {قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} (٢) .

ولكن كان العلماء في القرن الثالث، من يكره روايته، ويروي بعضه، كما يكره رواية بعض الأحاديث، لمن يخاف أن يلم نفسه ويفسد عقله، أو دينه، كما قال عبد الله بن مسعود: ((ما من رجل يحدث قوماً حديثاً، لا تبلغه عقولهم، إلا كان فتنة لبعضهم)) (٣) . وفي البخاري، عن علي بن أبي طالب، أنه قال: ((حدثوا الناس بما يعرفون، ودعوا ما ينكرون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله)) (٤) .

وإن كانوا مع ذلك، لا يرون كتمان ما جاء به الرسول – صلى الله عليه وسلم – مطلقاً، بل لا بد أن يبلغوه، حيث يصلح ذلك، ولذلك اتفقت الأمة على تبليغه، وتصديقه، وإنما دخلت الشبهة في الحديث؛ لتفريق ألفاظه، فإن من ألفاظه


(١) انظر: ((الفتح)) (٥/١٨٢) ، ورواه مسلم من حديث المغيرة بن عبد الرحمن، عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، وفيه: ((إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته)) (٤/٢٠١٧) .
(٢) آخر آية من سورة الرعد.
(٣) رواه مسلم في ((مقدمة الصحيح)) (١/١١) .
(٤) رواه في كتاب العلم، باب: من خص بالعلم قوماً دون قوم؛ كراهية أن لا يفهموا، انظر: ((الفتح)) (١/٢٢٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>