ومعلوم أن بصر الله تعالى لا ينتهي دون شيء، ولا يحول دونه شيء، فهو بكل شيء بصير، فلولا الحجاب الذي احتجب به لما بقي شيء من المخلوقات إلا ذاب واحترق، فكيف جاز لهؤلاء الذين جعلوا أقيستهم وعقولهم هي الحكم على ما يوصف الله - تعالى - به، وما يمتنع عليه.
وسيأتي حديث أبي موسى، وفيه:((وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن)) .
وفي ((صحيح مسلم)) ، عن صهيب، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:((إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال يقول الله - تبارك وتعالى -: ((تريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتُنَجِّنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم - عز وجل)) (١)
والنصوص في إثبات الحجب لله - تعالى - كثيرة، يؤمن بها أتباع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويعلمون بما ورثوه من نور النبوة بأن الله - تعالى - احتجب بالنور، وبالنار، وبما شاء من الحجب، وأنه لو كشف عن وجهه الكريم الحجاب لما قام لنوره شيء من الخلق، بل يحترق، ولكنه تعالى في الدار الآخرة يكمل خلق المؤمنين ويقويهم على النظر إليه - تعالى - فينعمون بذلك، بل هو أعلى نعيمهم يوم القيامة.
وقد تولى شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - إبطال شبه هؤلاء المنكرين لحجب الله - تعالى -، في كتابه ((نقض تأسيس الجهمية، وإبطال بدعهم الكلامية)) بوجوه كثيرة، أكثر من أربعين وجهاً، كل وجه منها كاف في إبطال قولهم.