يذهب بهم إلى النار بدون سؤال ومحاسبة؛ لأنهم قد تناهى جرمهم في القبح، فاستحقوا أليم العذاب، مع الإعراض عنهم وإهانتهم من أول الأمر، فيكون هذا الحديث مخصصاً لحديث عدي السابق، وهو قوله:((ما منكم من أحد إلاَّ سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان)) .
وقوله:((ولا ينظر إليهم)) نظر الله - تعالى - إلى العبد يقتضي الرحمة، وهؤلاء فعلوا أفعالاً مقتهم الله عليها، فأعرض عنهم، ومن أعرض الله عنه فهو هالك، الهلاك الأكبر.
والمقصود بالنظر المنفي هنا، نظر خاص يتضمن الإحسان والرحمة، ويفهم منه نظر العبد إلى الله - تعالى - لا يحجب بصره شيء أبداً، في أي وقت كان.
وهذا القدر من الحديث: أعني قوله: ((لا يكلمهم ولا ينظر إليهم يوم القيامة)) هو محل الشاهد لما مر، ولأن الكلام والنظر المقيد بيوم القيامة يدل على اللقاء، واللقاء يتضمن المعاينة.
ثم ذكر أفعالهم التي استحقوا عليها هذا الوعيد الشديد، وهي ثلاثة أنواع:
أحدها: الحلف على السلعة التي يريد بيعها، أنه أعطى بها أكثر مما يريد المشتري أن يأخذها به، وهو كاذب في حلفه، وذلك لأنه اشترى بيمينه ثمناً قليلاً بخساً، مما يدل على رغبته في الدنيا وزهده في الآخرة، واليمين دين يتعبد الله به، فمن خاف الله في يمينه، فلم يكذب فهو من المتقين في ذلك.
ومن بذل يمينه بعرض من الدنيا، فهو فاجر يستحق العقوبة، مستخف بحرمات الله.
والسلعة هي: كل بضاعة عرضت للبيع.
والنوع الثاني - وهو أخص من الذي قبله - وهو الحلف على يمين كاذبة