للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقول المازري: إن محبة الله لعباده: إرادته ثوابهم، وتنعيمهم، أو هي نفس الثواب والنعيم، ظاهر البطلان، والنصوص فيه لا تقبل هذا التأويل؛ لكثرتها، وتواطئها على أن الحب فيها هو ما يفهمه المخاطب الذي لم تفسد فطرته بالعقائد المنحرفة عن الحق.

وهذه طريقة أهل التأويل في صفات الله - تعالى - المستلزمة للثواب أو العقاب؛ إما أن يجعلوها إرادة الثواب أو العقاب، أو هي نفس الثواب والعقاب.

ومعلوم أن الثواب والعقاب ونحوهما مخلوق.

والإرادة التي يرجعون المحبة والرحمة ونحوهما من صفات الله -تعالى- إليها، يلزمهم فيها نظير ما فروا منه في المحبة والرحمة، حيث قالوا: إن المحبة هي: الميل إلى المحبوب، فيقال: والإرادة هي: ميل المريد إلى ما يوافقه في إرادته.

وأما تفسيرها بالثواب والعقاب، فيلزم منه أن تكون صفته -تعالى- مخلوقة، ثم نقول: لسنا بحاجة إلى مثل هذا التأويل السخيف البارد؛ لأن الله - تعالى- ليس كمثله شيء في صفاته، كما أنه لا مثل له في ذاته.

ومحبته - تبارك وتعالى - لعبده المؤمن شيء فوق إنعامه، وإحسانه، وعطائه، وإثابته، فإن هذا أثر المحبة وموجبها، أما هي فأعظم من ذلك، وهي التي يتسابق إليها أنبياؤه وملائكته وأولياؤه، وعباده الصالحون، وكم في كتاب الله وسنة رسوله - من نص صريح بأنه يحب عباده المؤمنين ويحبونه، كقوله - تعالى - {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} (١) ، وقوله -تعالى- {اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (٢) ، {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى


(١) الآية ٣١ من سورة آل عمران.
(٢) الآية ٢٢٢ من سورة البقرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>