ففي هاتين الآيتين أكبر دليل على أن كلام الله غير مخلوق، وأنه من صفاته، إذ المخلوق لا بد أن يكون له نهاية ونفاد، فإنه مسبوق بالعدم فلا بد أن يلحقه العدم.
أما كلام الله - تعالى - فلا نهاية له، ولا نفاد، وقد قرب تعالى إلى أفهام المخاطبين بما ضرب من المثل بما ذكر من كون البحار كلها ويزاد معها مثلها مرات كثيرة، وكون جميع ما وجد على وجه الأرض من عود أقلاماً يكتب بها كلامه تعالى لنفد البحر، وأمسحت الأقلام، وكلمات الله كما هي لم تنقص.
وليس معنى قوله:{لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} أن كلمات الله لها نهاية، وأنها يمكن أن تنفد، بل المعنى أنها لا نهاية لها أبداً؛ لأنها من صفاته تعالى.
وليس هذا وصف المخلوق، وهذا وجه استدلال البخاري بهاتين الآيتين. ومراده الرد على القائلين بخلق كلم الله - تعالى -.
كما قال تعالى:{إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ} الآية. ففيها يعلم تعالى عن عباده بأنه ربهم ومالكهم، المتصرف فيهم كيف يشاء، وهو الذي يصلح لهم حياتهم ويربيهم بنعمه الظاهرة والباطنة. وأنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام، وقد جاء بيانها في السنة أن أولها الأحد وآخرها يوم الجمعة، وأنه بعد خلقه السماوات والأرض استوى على عرشه، وهو السرير العظيم، وهو سقف المخلوقات، وقد تقدم الكلام فيه.