للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويعلمهم - تعال - أنه يدخل الليل في النهار والنهار في الليل، أي يجعل أول هذا متصلاً بآخر هذا.

وأما قوله: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْل ِ} (١) فكل واحد يطلب الثاني، أي: يتبعه ((حثيثاً)) أي: سريعاً.

ويعلمهم أن الشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره، أي: منقادة طائعة لأمره، فجميع الكون بما فيه يسير حسب مشيئته، فالخلق والأمر له وحده.

وفسر البخاري كلمة ((مسخر)) بأنه مذلل، أي: هي خاضعة له منقادة لأمره، وهو تعالى لا يمتنع عليه شيء فكل شيء من حس وجامد في الأرض والسماوات وما بينهما مسخر لأمره الكوني القدري.

{تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالمِينَ} أي: تعاظم وتقدس عن قول الظالمين الذين لم يقدروه حق قدره، و ((العالمين)) جميع الخلق، فكل ما سواه تعالى عالم، وهو ربهم الذي يتصرف فيهم كيف يشاء.

والمقصود من الآية قوله: ((ألا له الخلق والأمر)) فهو دليل على أن الخلق غير الأمر، لعطف الأمر على الخلق؛ لأن العطف كما هو معلوم يقتضي المغايرة، وبهذه الآية استدل الأئمة على أن الكلام غير الخلق، وبها وأمثالها ردوا على المعتزلة الذين قالوا بخلق الكلام.

قال البخاري: ((والقرآن كلام الله غير مخلوق؛ لقوله عز وجل: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاواتِ وَالأّرضَ فيِ سِتَّةِ أَيّامِ ثُمَّ استَوَىَ عَلَى العَرشِ يُغشِى الَّليلَ النَّهَارَ يَطلُبُهُ حَثِيثَا وَالشَّمسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجُومَ مَسَخَّراتِ بأَمرِهِ} فبين أن الخلائق، والطلب الحثيث، والمسخرات، بأمره، ثم شرح فقال: {أَلاَ لَهُ الخَلقُ وَالأمرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ} .


(١) الآية ٦ من سورة الحديد.

<<  <  ج: ص:  >  >>