للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِكُمُ الْعُسْرَ} فهذه الإرادة الدينية الأمرية، التي تتضمن الأمر والمحبة والرضا، فهذا ما دلت عليه نصوص كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – ومذهب أهل السُّنَّة، وبه تتفق الدلائل، وتنحل الإشكالات، وتفصيل ذلك أن يقال: الأشياء كلها لا تخرج عن أربعة أقسام:

((أحدها: ما تعلقت به الإرادتان، الكونية، والدينية، وهو ما يقع في الوجود من الأعمال الصالحة الموافقة لأمر الله وشرعه، فإن الله أرادها ديناً وشرعاً، فأمر بها، أرادها كوناً، وقدراً، فوجدت، ولولا إرادته إياها كوناً لم توجد؛ لأنه لا يوجد ما لا يريد وجوده، ولا يمتنع عليه ما يريد وجوده كما تقدم.

والثاني: ما تعلقت به الإرادة الدينية فقط، وهو ما أمر الله به من الأعمال الصالحة، فعصى أمره فيها الكفار، والفساق، فلم يفعلوها، فتلك الأعمال تعلقت بها الإرادة الدينية فقط؛ لأنه أمر ربها، وطلب فعلها، ولم يردها كوناً وقدراً، ولهذا تخلف وجودها، وإن كان يحب وجودها، ويرضاه، ولكن لا يلزم وجود ما يحب ويرضى.

ولا يقال: هذا يخالف كونه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن؛ لأنه تعالى يريد قدراً وكوناً ما لا يحب ويرضى، كوجود إبليس، وجنوده المفسدين في الأرض بالمعاصي والكفر والفسوق، وذلك لحِكَمٍ عظيمة يعلمها تعالى، ويُطلع على ما يشاء منها من يشاء من عباده.

الثالث: ما تعلقت به الإرادة الكونية فقط، وهو ما قدره وشاءه من الحوادث التي لم يأمر بها، كالمباحات والمعاصي، فإنه لم يأمر بها، ولم يرضها ولم يحبها، إذ هو – تعالى – لا يأمر بالفحشاء والمنكر، ولا يرضى لعباده الكفر، ولولا إرادته الكونية،

وقدرته، وخلقه لذلك، لما كان شيء منها، فإنه – تعالى – ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.

<<  <  ج: ص:  >  >>