للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

((ألا تصلون)) عرض عليهما، يدل على أن الأمر غير واجب، وإنما هو التماس يدل على الاستحباب.

((فقلت: يا رسول الله إنما نفوسنا بيد الله، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا)) إلى آخره.

هذا هو محل الشاهد من الحديث، وأراد بيان أنه لا يجوز معارضة الأمر الشرعي بالقدر، كما صنع سلف القدرية المشركون في قوله: {لَوْ شَاء اللهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا} (١) .

ففي هذا الحديث بيان أنه لا ينبغي معارضة الأمر بالقدر، فإن قوله: ((إنما نفوسنا بيد الله)) إلى آخره، استناد إلى القدر في ترك امتثال الأمر، وهذا القول في نفسه حق، ولكن لا يصلح لمعارضة الأمر، بل معارضة الأمر بهذا من باب الجدل المذموم الذي قال الله فيه: {وَكَانَ الإِنَسَانُ أَكثَر شَيءٍ جَدَلاَ} . (٢)

ولهذا انصرف عنه النبي – صلى الله عليه وسلم – كارهاً لمقالته، وتلا قوله تعالى: {وَكَانَ الإِنَسَانُ أَكثَر شَيءٍ جَدَلاَ} وضربه فخذه يدل على كراهته لذلك أيضاً، وتعجبه من علي كيف يعارض قوله له: ((ألا تصلون؟)) بتلك المقالة.

ومعلوم أن كل شيء بمشيئتة الله، فلو أن كل من أمر بأمر قال: إذا شاء الله فعلته، وإذا شاء لم أفعله، لتعطلت الأوامر كلها، وساد هوى النفوس، قال الحافظ: ((فيه أن الإنسان طبع على الدفاع عن نفسه بالقول والفعل، وأنه ينبغي له أن يجاهد نفسه لقبوله النصيحة ولو كان في غير واجب)) (٣)

****


(١) الآية ١٤٨ من سورة الأنعام.
(٢) انظر ((مجموع الفتاوى)) (٨/٢٤٤) .
(٣) انظر ((الفتح)) (١٣/٣١٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>