للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن يعارض ذلك ما في الأنبياء في هذا الحديث: ((قال اليهودي: لا والذي اصطفى موسى على البشر، فسمعه رجل من الأنصار فقام فلطم وجهه)) (١) .

قوله: ((استب)) استب: افتعل، من السب، أي: كل واحد منهما سب الآخر، وهو الشتم وذكر العيوب والمثالب، أو الدعاء عليه.

وسبب ذلك قول اليهودي حينما كان يعرض سلعته، فأُعطي فيها ما لا يرضى، فقال: لا والذي اصطفى موسى على البشر، فغضب المسلم ولطمه؛ لأنه فهم من كلامه تفضيل موسى على نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه متقرر عند المسلمين أن محمداً أفضل البشر على الإطلاق.

وجاء في رواية أبي سعيد: أن المسلم لما دعاه النبي – صلى الله عليه وسلم – وقال له: ((أضربته؟)) قال: سمعته بالسوق يحلف: والذي اصطفى موسى على البشر، قلت: أي خبيث، على محمد – صلى الله عليه وسلم -؟ فأخذتني غضبة، ضربت وجهه)) (٢) .

وفهم المسلم أن اليهودي بحلفه ذلك ينتقص محمداً – صلى الله عليه وسلم – فلهذا غضب، ولطمه، ولما ذكر قول اليهودي للنبي – صلى الله عليه وسلم – لم يعاقبه، بل نهى عن تفضيل بعض النبيين على بعض، في مثل هذا المقام الذي يكون فيه الغضب والسب؛ لأن ذلك مدعاة إلى هضم حق بعضهم، أو التنقص لهم، أو الافتخار، وذلك من الكفر.

وأما ذكر الواقع للعلم به، واعتقاده، فلا يدخل في النهي، وقد قال الله – تعالى -: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ َ} (٣) ، وقال تعالى: {وَلَقَد


(١) انظر المصدر نفسه.
(٢) ((الفتح)) (٥/٧٠) .
(٣) الآية ٢٥٣ من سورة البقرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>