للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثل ذلك قال الإسماعيلي، وقال: الاستغناء لا يحتاج إلى استماع؛ لأن الاستماع أمر خاص، زائد على الاكتفاء به، والاكتفاء به عن غيره أمر واجب على الجميع، ومن لم يفعل ذلك خرج عن الطاعة.

وقال عمر بن شبة: ذكرت لأبي عاصم النبيل: تفسير ابن عيينة – يعني: يستغني به – فقال: لم يصنع شيئاً، حدثني ابن جريج، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، قال: كان داود – عليه السلام – يتغنى – يعني: حين يقرأ – ويَبكي ويُبكي.

وظواهر الأخبار ترجح أن المراد: تحسين الصوت بالقراءة، ويؤيده قوله: ((يجهر به)) فإن كان ذلك مرفوعاً قامت الحجة، وإن كان غير مرفوع، فالراوي أعرف بمعنى الخبر من غيره، ولا سيما إذا كان فقيهاً.

وقد جزم الحليمي بأن ذلك من قول أبي هريرة، والعرب تقول: سمعت فلاناً يتغنى بكذا، أي: يجهر به، قال ذو الرمة:

أحب المكان القفر من أجل أنني به أتغنى باسمها غير معجم

يعني: أجهر بذكر اسم حبيبتي من غير تورية.

والحاصل: أنه يمكن الجمع بين أكثر التأويلات المذكورة.

وهو أنه يحسن به صوته، جاهراً به، مترنماً، على طريق التحزن، مستغنياً به عن غيره من الأخبار، طالباً به غنى النفس، راجياً به غنى اليد)) (١) .

قلت: في هذا الجمع نظر، فإن الرسول – صلى الله عليه وسلم – أراد بذلك معنى معيناً، وظواهر أقواله في ذلك أنه أراد تحسين الصوت، وكذا التحزن الذي يستجلب به الخشوع ومحبة القرآن والإقبال إلى استماعه.


(١) ((فتح الباري)) (٩/٧٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>