قال ابن عبد البر:((إن من نظر إلى إسلام أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، وسعد، وعبد الرحمن، وسائر المهاجرين والأنصار، وجميع الوفود الذين دخلوا في دين الله أفواجا، علم أن الله – عز وجل – لم يعرفه واحد منهم إلا بتصديق النبيين بأعلام النبوة، ودلائل الرسالة، لا من قبل حركة، ولا من باب الكل والبعض، ولا من باب كان ويكون.
ولو كان النظر في الحركة والسكون عليهم واجباً، [أو النظر] في الجسم ونفيه، والتشبيه ونفيه، لازماً ما أضاعوه، ولو أضاعوا الواجب ما نطق القرآن بتزكيتهم وتقديمهم، ولا أطنب في مدحهم وتعظيمهم.
ولو كان ذلك من عملهم مشهوراً، أو من أخلاقهم معروفاً، لاستفاض عنهم، ولشهروا به، كما شهروا بالقرآن.
وقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((ينزل ربنا إلى السماء الدنيا)) عندهم مثل قول الله – عز وجل -: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلجَبَلِ} ، ومثل قوله:{وَجَاءَ رَبُّكَ وَالمَلَكُ صَفَّا صَفَّا} كلهم يقول: ينزل، ويتجلى، ويجيء، بلا كيف، ولا يقولون: كيف يجيء؟ وكيف يتجلى؟ وكيف ينزل؟ ولا من أين جاء، ولا من أين يتجلى؟ ولا من أين ينزل؟؛ لأنه ليس كشيء من خلقه، تعالى عن الأشياء، لا شريك له.
وفي قول الله – عز وجل -: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلجَبَلِ} دلالة واضحة أنه لم يكن قبل ذلك متجلياً للجبل، وفي ذلك ما يفسر معنى حديث النزول، ومن أراد أن يقف على أقاويل العلماء في قوله – عز وجل - {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلجَبَلِ} فلينظر في تفسير بقي بن مخلد، ومحمد بن جرير، وليقف على ما ذكرا، ففيما ذكرا منه كفاية، وبالله العصمة والتوفيق)) (١) .