للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أيضاً: ((ولو قلبت القرآن كله، وفتشت عما أوعد به العصاة، لم تر الله - تعالى - قد أغلظ في شيء تغليظه في إفك عائشة - رضوان الله عليها - ولا أنزل من الآيات القوارع، المشحونة بالوعيد الشديد، والعتاب البليغ، والزجر العنيف، واستعظام ما ركب من ذلك، واستفظاع ما أقدم عليه، ما أنزل فيه، على طرق مختلفة، وأساليب مفننة، كل واحد منها كاف في بابه، ولو لم ينزل إلا هذه الثلاث لكفى، حيث جعل القَذفَةَ ملعونين في الدارين جميعاً، وتوعدهم بالعذاب العظيم في الآخرة، وبأن ألسنتهم، وأيديهم، وأرجلهم، تشهد عليهم بما أفكوا وبهتوا، وأنه يوفيهم جزاءهم الحق الواجب (١) الذي هم أهله)) (٢) .

وقال ابن القيم: ((فإن قيل: فما بال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توقف في أمرها، وسأل وهو أعلم بالله، وبمنزلته عنده؟ هلاّ قال: سبحانك هذا بهتان عظيم)) .

فالجواب: أن هذا من تمام الحِكَم التي جعل الله هذه القصة سبباً لها، وابتلاءً لرسوله، ولجميع الأمة إلى يوم القيامة، ليرفع بها أقواماً، ويضع آخرين.

ومن تمام الابتلاء أن تأخر الوحي، ليزداد المؤمنون إيماناً، والمنافقون إفكاً، ونفاقاً، وليظهر لرسوله والمؤمنين من سرائرهم، وتتم العبودية والمنة على الصدّيقة وأبويها.


(١) قوله: ((الواجب)) إشارة إلى أن نفاذ الوعيد واجب، كما هو مذهب المعتزلة، وهو غير مسلم، فإن الله - تعالى - أخبر أنه يغفر الذنوب ما عدا الشرك لمن يشاء، فلا يجوز الحكم على الله - تعالى - بأنه يجب أن يعذب العصاة.
(٢) ((الكشاف)) (٣/٥٦-٥٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>