للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأن ((الحقو)) و ((الحجزة)) صفة ذات، لا على وجه الجارحة، والبعض، وأن الرحم آخذة بها، لا على وجه الاتصال، والمماسة، بل نطلق ذلك تسمية كما أطلقها الشرع. وقد ذكر شيخنا أبو عبد الله – رحمه الله – هذا الحديث في كتابه، وأخذ بظاهره، وهو ظاهر كلام أحمد)) (١) .

قلت: قوله: ((لا على وجه الجارحة، والبعض)) وقوله: ((لا على وجه الاتصال والمماسة)) قول غير سديد، وهو من أقوال أهل البدع، التي أفسدت عقول كثير من الناس.

فمثل هذا الكلام المجمل لا يجوز نفيه مطلقاً، ولا إثباته مطلقاً؛ لأنه يحتمل حقاً وباطلاً، فلا بد من التفصيل في ذلك، والإعراض عنه أولى؛ لأن كلام رسول الله – صلى الله عليه وسلم - خال منه، وليس هو بحاجة إليه فهو واضح. وليس ظاهر هذا الحديث أن لله إزاراً ورداءً من جنس الأزر والأردية التي يلبسها الناس، مما يصنع من الجلود والكتان والقطن وغيره، بل هذا الحديث نص في نفي هذا المعنى الفاسد. فإنه لو قيل عن بعض العباد: أن العظمة إزاره، والكبرياء رداؤه؛ لكان إخباره بذلك عن العظمة والكبرياء، اللذين ليسا من جنس ما يلبس من الثياب.

فإذا كان هذا المعنى الفاسد لا يظهر من وصف المخلوق؛ لأن تركيب اللفظ يمنع ذلك، وبين المعنى المراد، فكيف يدعى أن هذا المعنى ظاهر اللفظ في حق الله – تعالى -؟ فإن كل من يفهم الخطاب، ويعرف اللغة، يعلم أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – لم يخبر عن ربه بلبس الأكسية والثياب، ولا أحد ممن يفهم الخطاب يدعي في قوله – صلى الله عليه وسلم – في خالد بن الوليد ((إنه سيف الله)) أن خالداً حديد، ولا في قوله – صلى الله عليه وسلم – في الفرس: ((إنا وجدناه بحراً)) أن ظاهره أن الفرس ماء


(١) إبطال التأويل (ص٢٣٢) مخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>