للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما يدل على بطلان التأويل: كون المعتزلة يسخرون من تأويل الأشعرية للحكيم، والأشعرية تسخر من تأويل بعض المعتزلة للسميع البصير، وأهل السنة يسخرون من تأويل الفريقين للرحمن الرحيم، وما أشبههما، والكل يسخر من تأويل القرامطة. فيجب إثبات ما وصف الله به ذاته الكريمة، من غير تأويل، ولا تعطيل.

ولا يجوز القول بأن ظاهر هذه الأسماء كفر، وضلال، وأن الصحابة والسلف الصالح لم يفهموا ذلك، أو أنهم فهموه ولم يقوموا بالواجب من نصح المسلمين وبيان التأويل الحق؛ لأمرين:

الأول: قاطع ضروري، وهو أن العادة توجب أن ما كان كذلك أن يظهر التحذير منه، من رسول الله-صلى الله عليه وسلم – ومن أصحابه، ويتواتر أعظم من تحذيرهم من الدجال الكذاب، ولا يجوز-مع كمال عقولهم وأديانهم- أن يتركوا صبيانهم ونساءهم وعامتهم يسمعون ما ظاهره كفر، منسوباً إلى الله- تعالى- ورسوله ويسكتون عليه، مع بلادة الأكثرين.

ولو تركوا بيان ذلك، ثقة بنظر العقول الدقيق، لتركوا التحذير من فتنة الدجال، فإن بطلان ربوبيته أظهر في العقول من ذلك، ألا ترى أن المتكلمين لما اعتقدوا قبح هذه الظواهر، تواتر عنهم التحذير عنها، وتأويلها، فصنفوا في ذلك، وأيقظوا الغافلين، وعلموا الجاهلين، وكفروا المخالفين، وأشاعوا ذلك بين المسلمين، بل بين العالمين، فكان أحق منهم بذلك سيد المرسلين وقدماء السابقين، وأنصار الدين، لو كان ذلك حقاً.

الثاني: أنه ثبت تحريم الزيادة في الدين، فلا يصح سكوت الشرع عن النص على ما يحتاج إليه، من مهمات الدين، فالإسلام متبع، لا مخترع، ولذلك كفر من أنكر شيئاً من أركان الدين؛ لأنها معلومة ضرورة، فأولى وأحرى أن لا يجيء الشرع بالباطل منطوقاً متكرراً من غير تنبيه على ذلك، لاسيما إذا كان ما سموه باطلاً، هو المعروف في جميع كتب الله، ولم يأت ما يعارضه من طريق شرعي، ولا عقلي، حتى يجب التأويل.

<<  <  ج: ص:  >  >>