وفيه أن وصيته وأمره لأولاده كانت عند وفاته، بقوله:((أي أب كنت لكم؟)) ليكون ذلك أدعى إلى تنفيذ أمره، فكأنه يقول: ما دمتم تعرفون أني كنت لكم خير أب، فمن جزائي عليكم أن تفعلوا ما آمركم به.
وفيه أن سبب أمره لأبنائه بذلك أنه مسرف على نفسه، ولم يقدم خيراً، فقوله ((لم يبتئز خيراً عند الله)) معناه: لم يقدم عملا صالحاً، وفسره قتادة بأنه لم يدخر عند الله خيراً.
والمقصود أنه لم يعمل خيراً يرجو به النجاة.
وفيه قوله:((حتى إذا صرت فحماً فاسحقوني – أو قال: فاسحكوني – فإذا كان يوم عاصف فأذروني فيها)) وقد فهم هذا كله من الحديث السابق، والسحق، والسحك، كلاهما بمعنى واحد، وهو أن يطحن حتى يصير ذرات صغيرة جداً، ولهذا أمرهم أن يذروه في اليوم الذي تكون الريح فيه عاصفاً، أي: شديدة؛ إمعاناً في تفريق أجزائه، ظناً منه أن الله لا يقدر على إعادته بعد ذلك، وهذا هو مقصده.
وفيه قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((فأخذ مواثيقهم على ذلك – وربي)) ففيه مشروعية القسم على الأمر المؤكد تقوية وتأكيداً للسامع؛ حتى لا يرتاب في ذلك، والرسول – صلى الله عليه وسلم – هو الصادق المصدوق فيجب تصديق خبره بدون أي تردد، أو شك، ولو لم يقسم، ولكنه يشرع لأمته صلوات الله وسلامه عليه.
والمواثيق جمع ميثاق وهي: العهود، والأيمان المؤكدة على أن يفعلوا ما أمرهم به.
وفيه أن الله – تعالى – قال له:((كن، فإذا هو رجل قائم)) وهو ظاهر فيما قلنا إنه واقع في الدنيا، وسبق أن حديث جابر يدل على ذلك، ولفظه: ((قال جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما -: قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((ألا أبشرك عما لقي أبوك؟ إن الله كلم أباك من غير حجاب، فقال له: عبدي، سلني،