فقال: يا رب، ردني إلى الدنيا حتى أقتل فيك، قال: فإني قد قضيت عليهم ألا يرجعوا، قال: يا رب فأبلغهم عنا، فأنزل - عز وجل - {وَلاَ تَحَسَبَنَ الَّذِينَ قُتِلُوا فيِ سَبِيلِ اللهِ أموَاتاً بَل أَحيَاءُ عِندَ رَبّهِم يُرزَقُونَ}(١) .
وفيه: أن الله - تعالى - قال له:((أي عبدي، ما حملك على أن فعلت ما فعلت)) وهو بمعنى ما تقدم.
وقوله:((مخافتك - أو فرق منك)) الفرق: هو الخوف، وهو بمعنى ما تقدم من قولك:((خشيتك)) .
وفيه قوله:((فما تلافاه أن رحمه عندها)) وقال مرة أخرى: ((فما تلافاه غيرها)) يعني: أنه تعالى عندما قال هذه الكلمة، رحمه دون إمهال، بل أسرع إليه برحمته، فغفر له، فما أعظم هذا الكرم، وأوسع هذا الحلم والرحمة، هذا مع شك هذا الرجل في قدرة الله، وعدم إيمانه بما يجب عليه بأنه تعالى على كل شيء قدير، ولكن رحمة الله تغلب غضبه.
وتقدم بيان الشاهد منه، وهو قول الله - تعالى- وخطابه لهذا الرجل، مما يدل على أنه تعالى يقول ويتكلم متى شاء، ويكلم من يشاء، وكلامه تعالى لا حصر له ولا نفاد، وهو غير خلقه؛ لأن الكفار والمنافقين يريدون أن يبدلوا كلام الله، وذلك قد يقع، وأما خلق الله - تعالى - فلا تبديل له.
كما في هذه النصوص إثبات الصفات الاختيارية لله - تعالى - وهي من تمام حمده، فمن لم يقر بها لم يمكنه الإقرار بأن الله محمود، ولا أنه رب العالمين.
(١) رواه البخاري في ((خلق أفعال العباد)) (ص٤٢) ، ورواه الإمام أحمد ولفظه: ((أعلمت أن الله أحيا أباك، فقال له: تمن، فقال له: أرد إلى الدنيا فأقتل فيك مرة أخرى، قال: إني قضيت أنهم إليها لا يرجعون)) انظر ((المسند)) (٣/٣٦١) .