الثامن: أن قوله: ((فيدنيه منه، فيضع عليه كنفه، ثم يقرره بذنوبه)) الجمع بين الإدناء ووضع الكنف، وتقريره بذنوبه، قرينة تعين أن الله – تعالى – هو الذي يدني إليه عبده، ويضع عليه كنفه، فيستره من الناس، كما صرح به في الحديث.
التاسع: أن هذا الحديث دل على ما دل عليه القرآن من وقوف العباد على الله، وخطابه لهم، ومن المعلوم بالاضطرار من رسالات الرسل، ومن دين الإسلام، أن هذا إنما هو يوم القيامة، وأن أحوال العباد مع الله يوم القيامة غير أحوالهم في الدنيا، وعلى قول هؤلاء المؤولة لا فرق بين الدنيا والآخرة، فإن الله لا يقرب إليه شيء لا في الدنيا ولا في الآخرة، ولا يقفون على ربهم، لا في الدنيا، ولا في الآخرة، ويصيرون إليه، وإنما ذلك كله إلى بعض مخلوقاته، ومقدوراته، كما أن خطابه لهم عند الجهمية وأتباعهم)) (١) ، ومعناه أنه يخلق كلاماً في بعض مخلوقاته يكلمهم منها، وعند الأشاعرة - الذين هم فرع عن الجهمية – يخلق إدراكاً في العباد يفهمون به المعنى الواحد القائم بذاته – تعالى – وهذا تكذيب لكتاب الله ولرسوله، ومناقضة لدين الإسلام الذي فطر على قبوله العباد.
قوله:((حتى يضع كنفه عليه)) جاء الكنف مفسراً في الحديث بأنه ((الستر)) ، والمعنى: أنه – تعالى – يستر عبده عن رؤية الخلق له؛ لئلا يفتضح أمامهم، فيخزى، لأنه حين السؤال والتقرير بذنوبه تتغير حاله، ويظهر على وجهه الخوف الشديد، ويتبين فيه الكرب والشدة.
قال الأزهري: ((قال الليث: الكنفان: الجناحان، وأنشد:
سِقْطا من كنفي نعام جافل
(١) انتهى من ((بيان تلبيس الجهمية)) (٢/١٧٧) المخطوطة.