به على عباده من المآكل والمشارب والملابس والمناكح والمساكن، وقد أجمل ما لم يفصله في قوله تعالى:{فَلاَ تَعلَمُ نَفسٌ مَّا أُخفِىَ لَهُم مِن قُرَّةِ أَعيُنٍ} .
وهذه الأمور يباشرها المؤمن مباشرة، لا يكون جزاؤه مجرد قربه منها دون مباشرتها، بل ذلك يكون حسرة وعذاباً، فدعوى الإكرام بمجرد التقريب من هذه الأمور دون مباشرتها، كلام باطل، لا حقيقة له.
الخامس: أن المؤمن لم يزل في رحمة الله في الدنيا والآخرة، فلا يجوز تخصيص حال السؤال بقربه من رحمته، دون ما قبل ذلك وما بعده، بل هو مازال مباشراً لما يرحمه الله به قبل وبعد، فأي فائدة في أن يوصف بالقرب من شيء ما زال مباشراً له، لا ينفصل عنه؟
السادس: أنه في العرض على الله يظهر له من الأهوال والشدة ما يكون أعظم عليه وأشد لرهبه وألمه من كل ما كان قبل ذلك وبعده، فكيف يجوز تخصيص أشد الأحوال عليه بأنه يقرب فيه مما يرحم به؟ مع أن ما قبلها وما بعدها كان ما يرحمه به إليه أقرب، وهو له أعظم مباشرة ونيلاً.
السابع: أن قولهم: ((يقرب من رحمة الله، وأمانه ولطفه، ونحو ذلك)) من تأويلهم، لا ريب أنه من باب حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه.
ومن المعلوم في اللغة العربية أن هذا لا يجوز إلا إذا اقترن بالكلام ما يبين المحذوف، فلا يقال: جاء زيد، والمقصود غلامه، أو رسوله (١) .
والحديث نص في أن الله – تعالى – هو الذي يدني عبده من نفسه، ولهذا لا يسمع أحد هذا الكلام، فيفهم أن الله يدنيه من شيء آخر ولا يخطر هذا ببال المستمع، فكيف يجوز أن يكون الرسول – صلى الله عليه وسلم – أراد الباطل الذي قالوه؟
(١) وهذا يرد ما نقله الحافظ عن ابن التين أن ذلك سائغ في اللغة، كما تقدم ذكره.