وإنما الكلام يقوم ببعض مخلوقاته، وهو أيضاً بمنزلة أن يقال: إن الله لا يغفر له، وإنما يغفر له بعض مخلوقاته.
وهذا مما يعلم بالاضطرار أنه خلاف ما أخبرت به الرسل، وأنه شرك صريح في إلاهية الله وربوبيته، ولهذا قال بعض السلف: إن من زعم أن قوله لموسى: {إِنِيّ أَنَاْ رَبُّكَ} مخلوق، فهو كافر؛ لأنه جعل هذا الكلام قائماً بمخلوق يلزم أن يكون هو الرب، وسائر تأويلات الجهمية وأهل الباطل من هذا الجنس.
الثاني: أن هذا الدنو، ووضع الكنف، والمخاطبة، تكون وقت السؤال، والعبد خائف غير آمن، ولا يظهر له أنه يغفر له ويرحم، كما هو صريح الحديث الصحيح بقوله:((يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره، فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم أي رب، حتى إذا قرره، ورأى في نفسه أنه قد هلك قال: سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم)) .
فإذا كان العبد حين هذا الدنو من الله، والمخاطبة، والتقرير بذنوبه، يرى أنه قد هلك قبل أن يذكر له الرب – تعالى – أنه غفر له، امتنع أن يكون ما ذكره من دنوه من الله، هو دنوه من رحمته، وأمانه وتعطفه.
الثالث: أن الرحمة والعطف، والأمان، إن كانت صفات الله – تعالى -، كان القرب إليها قرباً إلى الموصوف، كما تقدم، وإن كانت أعياناً قائمة بنفسها مخلوقة لله – تعالى -، فمن المعلوم أن حين الحساب في عرصات القيامة لا يكون هناك أجسام مخلوقة من الرحمة التي أعدها الله – تعالى – لعباده، ولكن هو يحكم بالعفو والمغفرة، ثم ينقلون إلى دار الرحمة، فامتنع أن يكون أحد حال المحاسبة مقرباً إلى أجسام هي رحمة قبل أن يؤذن لهم في دخول الجنة.
الرابع: أن يقال: من المعلوم أن الله – تعالى – أخبر في كتابه بأصناف ما ينعم