للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سائغ في اللغة، يقال: فلان قريب من فلان، ويراد الرتبة)) (١) . فهو تأويل الجهمية المعروف الذي ذكره السلف عنهم، وردوه، وبينوا أنه مخالف لقول الله – تعالى – ولقول رسوله –صلى الله عليه وسلم – ولعقيدة أهل العلم والإيمان، وهو سلوك غير سبيل المؤمنين.

قال شيخ الإسلام: ((وبيان بطلان هذا التأويل من وجوه:

أحدها: أن ما يدنو إليه العبد من الرحمة، والإيمان، وغير ذلك، إما أن تكون أعياناً قائمة بأنفسها، أو صفات قائمة بغيرها، فإن كانت صفات، فمعلوم أن القرب إلى الصفة لا يكون إلا بالقرب إلى الموصوف نفسه.

فأما قربه من صفته القائمة به دون قربه من نفسه، فظاهر البطلان والفساد، ولهذا لم يقله أحد من العباد، بل الذي يحيل القرب إلى نفسه هو للقرب إلى صفاته أشد إحالة، إن كان يثبت له صفة.

ومن المعلوم أن قوله: ((يدنو العبد من ربه، حتى يضع عليه كنفه، فيقرره بذنوبه – أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: أعرف رب)) وقوله: إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه)) وقوله: ((فيدنيه الله منه فيضع عليه كنفه)) ، [وقوله: ((يدنو أحدكم من ربه فيضع عليه كنفه] (٢) ، كل هذه الألفاظ صريحة واضحة، كل من سمعها علم بالاضطرار أن الذي يدني العبد، ويضع عليه كنفه، ويقرره بذنوبه، ويغفرها له، هو الله، لا أحد من خلقه، فكيف يجوز أن يقال: لا يدنو العبد من ربه، وإنما يدنو من بعض مخلوقاته؟ (٣) . وهل ذلك إلا بمثابة من يقول: إن من يقرره بذنوبه هو بعض مخلوقاته؟ كما يقوله الجهمية، القائلون بأن الله – تعالى – لا يقوم به كلام،


(١) ((الفتح)) (١٣/٤٧٧) .
(٢) هذا لفظ الحديث المشروح هنا، ولم يذكره الشيخ.
(٣) لأن الرحمة التي فسروا بها دنو العبد هو الثواب واللطف والإحسان، فهي إذاً مخلوقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>