للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال شيخ الإسلام: ((قد ظن كثير من الناس أن آدم احتج بالقدر على نفي الملام على الذنب، ثم صاروا لأجل هذا الظن ثلاث أحزاب:

فريق كذبوا بهذا الحديث، كأبي علي الجبائي، وغيره؛ لأنه من المعلوم بالاضطرار أن هذا خلاف ما جاءت به الرسل، ولا ريب أنه يمتنع أن يكون هذا مراد الحديث، ويجب تنزيه النبي - صلى الله عليه وسلم - بل جميع الأنبياء، وأتباعهم، أن يجعلوا القدر حجة لمن عصى الله ورسوله.

وفريق تأولوه بتأويلات معلومة الفساد، كقول بعضهم: حجه؛ لأنه أبوه، والابن لا يلوم أباه.

وقول بعضهم: حجه؛ لأن الذنب كان في شريعة، والملام في أخرى.

وقول بعضهم: لأن الملام كان بعد التوبة، وقول بعضهم: لأن هذا تختلف فيه دار الدنيا ودار الآخرة.

وفريق ثالث: جعلوه عمدة في سقوط الملام عن المخالفين لأمر الله ورسوله.

والصواب: أن موسى لم يلم آدم إلا من جهة المصيبة التي أصابته وذريته بما فعل، لا لأجل أن تارك الأمر مذنب عاص، ولهذا قال: لماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ ولم يقل: لماذا خالفت الأمر ولماذا عصيت؟

والناس مأمورون عند المصائب التي تصيبهم بأفعال الناس، أو بغير أفعالهم بالتسليم للقدر، وشهود الربوبية، كما قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} (١) ، قال ابن مسعود: هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم (٢) .


(١) الآية ١١ من سورة التغابن.
(٢) في ((الدر المنثور)) ، أخرجه سعيد بن منصور، انظر (٨/١٨٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>