للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الصحيح، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجزن، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت، لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله، وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان)) (١) فأمره بالحرص على ما ينفعه، وهو طاعة الله ورسوله، فليس للعباد أنفع من طاعة الله ورسوله، وأمره إذا أصابته مصيبة أن لا ينظر إلى تقدير ما لم يقع، وهو قوله: لو أني فعلت كذا وكذا، لكان كذا وكذا، فإن هذا ليس فيه إلا التحسر، والمضرة، ولكن لينظر إلى الواقع، ويوقن بأنه بقدر الله تعالى وقضائه، ولا بد من وقوعه، فلا مخلص منه، فيرضى به ويسلم لقدر الله – تعالى – وقضائه، كما قال بعضهم: الأمر أمران:

أمر فيه حيلة، فلا تعجز عنه، وأمر لا حيلة فيه، فلا تجزع منه.

وما زال أئمة الهدى يوصون الإنسان بأن يفعل المأمور، ويترك المحظور، ويصبر على المقدور، وإن كانت المصيبة بفعل آدمي، فلو أن رجلاً أنفق ماله في المعاصي، ومات ولم يخلف لأولاده مالاً، أو ظلم الناس بظلم صاروا يبغضون أولاده من أجل ظلمه، فلا يعطونهم ما يعطون أمثالهم، فهذه مصيبة في حق الأولاد حصلت بسبب أبيهم.

فإذا قالوا لأبيهم: أنت فعلت بنا هذا، قيل لهم: هذا كان مقدراً عليكم، وأنتم مأمورون بالصبر على ما يصيبكم، والأب عاص لله فيما فعل من الظلم، أو الإنفاق في المعصية، ملوم على ذلك، لا يرتفع عنه الذم والعقاب بالقدر السابق.

فإن تاب توبة نصوحاً، وقبل الله توبته، وغفر له، لم يجز ذمه حينئذ ولومه بحال، لا من جهة حق الله، ولا من جهة المصيبة التي حصلت لغيره بفعله،


(١) رواه مسلم (٤/٢٠٥٢) رقم (٢٦٦٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>