للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذ لم يكن هو ظالماً لأولئك، فإن تلك المصيبة مقدرة عليهم، وهذا مثل قصة آدم، فإنه لم يظلم أولاده، وإنما ولدوا بعد هبوطه من الجنة، وهبط هو وحواء، ولم يكن معهما أولاد، فلم يظلم أولاده ظلماً يستوجب ملامه منهم، وكونهم صاروا في الدنيا دون الجنة أمر مقدر عليهم.

وهو قد تاب من ذنبه، كما قال تعالى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى {١٢١} ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} (١) .

وموسى أعلم من أن يلومه على ذنب قد علم أنه تاب منه، وآدم أعلم من أن يحتج بالقدر على أن الذنب لا ملام عليه، وقد علم أن لعن إبليس بسبب ذنبه، وهو مقدر عليه.

ولو كان الاحتجاج بالقدر نافعاً من الذنب لفعله آدم، ولكنه تاب من الذنب واستغفر ربه)) (٢) .

فتبين أن آدم حج موسى لما قصد موسى لوم آدم على ما كان سبباً في مصيبة أبنائه، وأن آدم احتج بأن هذه المصيبة سبق بها القدر، ولا بد من وقوعها، كما قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} (٣) . وقال تعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} (٤) .

وسواء في ذلك المصائب التي تحصل بأفعال العباد، أو غيرها، فإن على


(١) الآيتان ١٢١، ١٢٢ من سورة طه.
(٢) ((مجموع الفتاوى)) (٨/٣٠٣-٣٢٢) ملخصاً.
(٣) الآية ١١ من سورة التغابن.
(٤) الآية ٢٢ من سورة الحديد.

<<  <  ج: ص:  >  >>