ثم اختار أن هذا الحديث رؤيا منام، أو أن أنساً حكاه من تلقاء نفسه لم يعزه إلى النبي – صلى الله عليه وسلم -)) (١) .
أقول: أما كون هذا الفصل شنيعاً ظاهراً ومذاقاً، فذلك في نظر الجهمية الذين يزنون كلام الله وكلام الرسول بما يظنونه براهين عندهم، وهي مجرد شبهات وأوهام، أو يزنون كلام الله ورسوله بأذواقهم.
وهذه الشناعة التي يظنها الخطابي – عفا الله عنا وعنه – قد ترد لو كان ما يختص الله به من الأفعال والصفات على وفق مذاق أهل التعطيل ومذهبهم، وقياساتهم الفاسدة.
أما إذا كان العبد منقاداً لما جاء به الرسول – صلى الله عليه وسلم -، وموقناً بأن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أعلم بالله، وأخشى له من كل الناس قاطبة، وأنه أقدرهم على البيان والإفصاح عما يريد، وهو أيضاً أنصحهم للأمة، وأحرصهم على هدايتها، إذا كان العبد موقناً بذلك كله، فلن يكون هذا الفصل وأمثاله مما جاء به الرسول – صلى الله عليه وسلم – شنيعاً لا ظاهراً ولا مذاقاً كما زعم الخطابي.
وأما محاولته الطعن في راوي الحديث – أنس بن مالك – رضي الله عنه، وأنه إنما حكى هذا القول من عند نفسه، وقد سبق أن قال في عبد الله بن مسعود مثل هذا، وهذا زلة منه عظيمة، وخروج عن نهج أهل الحق، وهذا ما يتمناه كل زنديق، ورافضي خبيث، حتى يتسنى لهم إبطال الشرع كله؛ لأن كل أحد يمكنه أن يقول ما شاء إذا انفتح هذا الباب، وهو الطعن في الصحابة بأنهم لم يفهموا ما يقولون، وينقلون الباطل والضلال، كما هو مقتضى قول الخطابي.
مع أن قوله هذا خلاف ما اتفق عليه أئمة الإسلام من المحدثين والفقهاء،