للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم مفهوم هذا القول من الخطابي أنه لا تمييز بين مكان الخالق والمخلوق ولا مسافة، ولا تحديد، وهذا لا يعدو أمرين لا ثالث لهما:

إما: أن يكون الرب – تعالى – حالاَّ في الخلق، ومداخلاً لهم، فهو في كل مكان، لا يختص به مكان دون آخر، حتى أجواف الحيوانات والناس والأمكنة الخبيثة، وهذا مذهب الحلولية الذين هم من أضل خلق الله، وأبعدهم عن معرفة الله والتمييز بينه وبين خلقه، وهذا غاية الكفر ومنتهاه.

الثاني: أنه لا مكان لله أصلاً، ومن ليس له مكان – بمعنى أنه ليس في جهة – فهو عدم لا وجود له، والعدم هو إله المعطلة والملاحدة.

ومعلوم ثبوت وصف الله – تعالى – بالقرب، والدنو، من بعض خلقه، كما قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} (١) .

وفي ((الصحيحين)) من حديث أبي موسى لما رفعوا أصواتهم بالتكبير قال لهم النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((اربعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، إن الذي تدعون سميع بصير قريب، أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته)) وقد تقدم، والنصوص في هذا كثيرة.

قال شيخ الإسلام: ((قرب الله – سبحانه – ودنوه من بعض مخلوقاته، لا يستلزم أن تخلو ذاته من فوق العرش بل هو فوق العرش ويقرب من خلقه كيف شاء، كما قال ذلك من قاله من السلف.

وهذا كقربه إلى موسى لما كلمه من الشجرة، وقال تعالى: {وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (٢) } .


(١) الآية ١٨٦ من سورة البقرة.
(٢) الآية ٥٢ من سورة مريم.

<<  <  ج: ص:  >  >>