{فَإِن تَوَلَّيتُم فَمَا سَأَلتُكُم مِن أَجرٍ} أي: إن أعرضتم عما أدعوكم إليه، فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم، ولم أطلب منكم على ذلك شيئاً من أموالكم، ولكن أجري على ربي، فهو الذي سيجزيني على إبلاغ رسالته إليكم، وهذا كله من ذكر نوح عليه السلام لربه.
{وَأُمِرتُ أَن أَكُونَ مِنَ المُسلِمينَ} يعني: أمرني ربي أن أسلم له وأنقاد لأمره، مذعناً، خائفاً من عذابه، راجياً ثوابه، وهذا من ذكر الله - تعالى - لعبده ورسوله نوح عليه السلام.
((افرق)) اقض. كلمة افرق في آية أخرى، ولكن عادة البخاري - رحمه الله - أنه يذكر النظير مع نظيره، لاجتماعهما في المعنى، ولهذا ذكر قوله تعالى:{النَّبأِ العَظيمِ} ؛ لمناسبته مع قوله تعالى:{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ} .
وما ذكره عن مجاهد في الآية واضح، ومراده أن المستجير يسمع كلام الله من المبلغ بصوت المبلغ، ونطقه، وصوته ونطقه من فعله، وهو مخلوق، أما المبلغ المنطوق به، فهو كلام الله - تعالى - وصفته، كما تقدم بيان ذلك من كلام البخاري، رحمه الله.
وقوله:((صواباً: حقاً في الدنيا وعمل به)) . قال ابن بطال:((يريد قوله تعالى: {أَذِنَ لَهُ الرَّحمَنُ وَقَالَ صَوَاباً} أي: حقاً في الدنيا، وعمل به، فهو الذي يؤذن له في الكلام، بين يدي الله بالشفاعة لمن أذن له.
قلت (١) : وهذا وصله الفريابي، عن مجاهد، بالسند المذكور.
قال الكرماني: عادة البخاري أنه إذا ذكر آية لمناسبة الترجمة، يذكر معها ما يتعلق بتلك السورة، التي فيها تلك الآية مما ثبت عنده من تفسير ونحوه، على سبيل التبعية، وكأنه لم يظهر له وجه مناسبة هذه الآية الأخيرة بالترجمة.