للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ {٢٨} وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (١) .

وقال تعالى: {فَمَن شَاءَ اتَخَذَ إِلىَ رَبِهِ سَبِيلاً} (٢) .

فبيَّن تعالى أن العباد لهم مشيئة يفعلون بها إذا شاؤوا، وأنها تابعة لمشيئة الله؛ لأنه المالك لكل شيء، المتصرف فيه.

وزعمت المعتزلة أن أفعال العباد القبيحة، من الكفر والمعاصي، غير داخلة في مشيئة الله وتقديره؛ لأن الله منزه عن فعل القبيح باتفاق المسلمين.

وقالت الجبرية: ليس للعبد فعل في الحقيقة، والأفعال كلها لله، والعبد كاسب لا فاعل، وقدرة العبد لا تأثير لها في حدوث مقدورها، غير أن الله – تعالى – أجرى العادة بخلق مقدورها مقارناً لها، فيكون الفعل خلقاً من الله، وإبداعاً وإحداثاً منه تعالى، وكسباً من العبد لوقوعه مقارناً لقدرته، والعبد ليس محدثاً لأفعاله، ولا موجداً لها. وهذا قول الأشعرية، ومع ذلك ينكرون أن يكونوا جبرية؛ لأنهم يقولون: نحن نثبت للعبد قدرة حادثة، والجبرية لا تثبت ذلك.

وفرقوا بين الكسب الذي أثبتوه للعبد، وبين الخلق الثابت لله، بأن الكسب: عبارة عن اقتران قدرة العبد الحادثة بالمقدور، والخلق هو المقدور بالقدرة القديمة.

وبأن الكسب هو الفعل القائم بمحل القدرة عليه، والخلق هو الفعل الخارج عن محل القدرة عليه.

وهذا فرق لا حقيقة له، فإن كون المقدور في محل القدرة، أو خارجاً


(١) الآيتان ٢٨، ٢٩ من سورة التكوير.
(٢) الآيتان ٢٩، ٣٠ من سورة الإنسان.

<<  <  ج: ص:  >  >>