ذلك، أو أذن به، أو تغيير ما في نفوس بعض خلقه، أو غير ذلك مما يشاؤه ويريده – جل وعلا -، كما تقدم في معنى قوله تعالى:{كُلَّ يَومٍ هُوَ فيِ شَأنٍ} .
وقوله تعالى:{مَا يَأتِيهِم مِن ذِكرِ مِن رَّبِهِم مُّحدَثٍ} وقوله: {مَا يَأتِيهِم مِن ذِكرِ مِن رَّبِهِم مُّحدَثٍ إلاَ كَانُوا عَنهُ مَعرِضينَ} ، قال شيخ الإسلام:((هذا يدل على أن الذكر منه محدث، ومنه ما ليس بمحدث؛ لأن النكرة إذا وصفت ميز بها بين الموصوف وغيره، كما لو قال: ما يأتيني من رجل مسلم إلا أكرمته، وما آكل إلا طعاما حلالا، ونحو ذلك.
ويعلم أن المحدث في الآيتين ليس هو المخلوق، الذي يقوله الجهمية.
ولكنه الذي أنزل جديداً، فإن الله كان ينزل من القرآن شيئاً بعد شيء، فالمنزل أولاً قديم بالنسبة إلى المنزل آخراً، وكل ما تقدم على غيره فهو قديم في لغة العرب، كمال قال:{كَالعُرجُونِ القَديمِ} ، وقال:{تَاللهَ إِنَكَ لَفي ضَلاَلِكَ القَديِمِ} (١) .
ومراد الإمام البخاري – رحمه الله – من هاتين الآيتين الرد على من ينكر أفعال الله – تعالى – من القول والفعل ونحوهما مما يتعلق بمشيئته وإرادته وقدرته، فإن هذا الأصل أنكرته الجهمية، والمعتزلة، ومن تشعب عنهما، ظانين أنه لا يمكن إثبات حدوث العالم وإثبات وجود الخالق له – تعالى – إلا بإثبات حدوث الأجسام، ولا يمكن حدوث الأجسام إلا بإثبات حدوث ما يقوم بها من الصفات والأفعال المتعاقبة، التي يسمونها: الحوادث، فلذلك قالوا: كل من قامت به الحوادث أو كان محلاً لها فهو حادث.