للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{وَأرِنَا مَنَاسِكَنَا} أي أرِ هذه الأمة بوسيلة نبيّ منهم، كما صرَّحَ بذلك فقال: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (١).

وَلْيُعلمْ أن هذه الأمور ليست وقائعَ متبدِّدة، بل كلُّ ذلك يجتمع حول نقطة واحدة: وهي واقعة القربان. وحفظها الله بشريعة الحجّ ومناسكه، لنعلمَ تاريخَ القربانِ وإسلام إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام. وأخبر الله عن حالة الذين حقّقوا حجهم بقوله عز من قائل:

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} (٢).

فإسلام النفس لمرضاة الله هو معنى الحج والإسلام (٣).

(٥) ثم عَلَّمَنَا اللهُ تعالى سعة معنى هذا الإسلام حيث قال:

{أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} (٤).

فَدَلَّ على أربعة أمور: الأول أن كل شيء أسْلَمَ لله. والثاني أن كلهم يرجعون إليه، وهذا لازم للإسلام، فإن رجعوا إلى غيره كان الإسلام باطلاً، فدَلَّ على المعاد. والثالث أن الإسلام يتحقق بإطاعة رسله، لما يظهر من سياق هذه الآية. والرابع أن الإسلام لا اختلاف فيه، فإن كلهم أسلموا لله، فدينُهم واحد، فلا مُشاجَرة فيه، كما صرح في قوله:

{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (١٩) فَإِنْ حَاجُّوكَ


(١) سورة البقرة، الآيات: ١٢٧ - ١٢٩.
(٢) سورة البقرة، الآية: ٢٠٧.
(٣) وانظر مقدمة "الرأي الصحيح فيمن هو الذبيح"، والفصل العاشر من تفسير سورة الكوثر للمؤلف.
(٤) سورة آل عمران، الآية: ٨٣.

<<  <   >  >>