للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنه قوله تعالى حكاية عن قِيل المسيح عليه السلام:

{إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (١).

فخلَّى العبدَ وربَّه، وأخرَج نفسه من البين. وفيه تفويض واسترحام. وفي الجزء الثاني باب آخر من حسن الطلب في الدعاء مع التفويض. وذلك بأن العزيز لا يستطيع أحد أن يمنعه عما يشاء، وكذلك الحكيم لا يُعجِزه إيجادُ سبب وحيلة لما يريد. فكان فحوى الكلام أنّ الشيطان ومكره وكيده بعبادك كيف يُقاوم قوّتك وحكمتك حتى يُعجزك عن إنقاذ رحمتك. فأشار إلى حسن الظنّ بالربّ تعالى وصفته الجمالية، والتفويض إليه، وأشار إلى أن الكريم إذا قدر سمح، لقول العرب: "إذا مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ" (٢). وكذلك من لوازم الحكمة: الحلم والعفو. ثم توجّه إلى غيرة الرب لعباده، وبذلك صرف النقمة إلى العدو، فقرع باب الرحمة من وجه آخر.

(٥٦) الذِكر (٣)

كلُّ ما يُذكّرك شيئاً فهو الذكر. فربما يكون بمعنى التاريخ. قوله تعالى:

{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} (٤)

فجاءت هذه الآية بعد صحف التاريخ من صحف اليهود (٥).


(١) سورة المائدة، الآية: ١١٨.
(٢) أي: إذا ملكتَ الأمر عَلَيَّ فأحسن العفوَ عني. انظر الميداني ٣: ٢٧٨.
(٣) الدفتر الثاني: ق ٤١ "معنى لفظ الذكر والحكمة". والمطبوعة: ٣٩.
(٤) سورة الأنبياء، الآية: ١٠٥.
(٥) لعل المؤلف يشير إلى المرموز ٣٧ الذي تكرر فيه هذا المعنى نحو قوله في الفقرة ٢٩: "الصديقون يرثون الأرض ويسكنونها إلى الأبد". وأقرب مما قال المؤلف أن يقال إن =

<<  <   >  >>