للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واقع (١). وعندي أنها تخبر عما قَرُبَ: إما وقوعاً، وإما إمكاناً. وليست بالوعد المقطوع به. لأن الملوك والأمراء ربيا يعدون ويوعدون من غير إلزام على أنفسهم، لكيلا ينقلب الرجاء استغناءً والتخويف يأساً (٢). ومواقع الكلام في القرآن تدل على ذلك.

ويمكن تأويل قول الزمخشري إلى ما قلنا، بمعنى أن الله تعالى كثيراً ما


= التفسير والنحو واللغة والأدب والبلاغة، معتزلي الاعتقاد. معجم الأدباء ٦:٢٦٨٧، ابن خلكان ٥: ١٦٨، الأعلام ٧: ١٧٨، معجم المؤلفين ١٢: ١٨٦.
(١) قال الزمخشري (الكشاف ٢: ٢٨٩) في تفسير قوله تعالى في سورة التوبة: ٧١ {أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}:
"السين مفيدة وجود الرحمة لا محالة، فهي تؤكد الوعد، كما تؤكد الوعيد في قولك: سأنتقم منك يوماً، تعني: أنك لا تفوتني، وإن تباطأ ذلك. ونحوه: {سيجعل لهم الرحمن ودا}، {ولسوف يعطيك ربك فترضى}، {سوف يؤتيهم أجورهم}.
ونقل عنه ابن هشام في المغني (١٨٥) وقال: "زعم الزمخشري أنها إذا دخلت على فعل محبوب أو مكروه أفادت أنه واقع لا محالة، ولم أر من فهم وجه ذلك. ووجهه أنها تفيد الوعد بحصول الفعل، فدخولها على ما يفيد الوعد أو الوعيد مقتضٍ لتوكيده وتثبيت معناه".
وردّ أبو حيان على الزمخشري ولاحت له في قوله "دفينة خفية من الاعتزال" فقال (٥: ٧١): "وليس مدلول السين توكيد ما دخلت عليه. إنما تدل على تخليص المضارع للاستقبال فقط".
والحق أن الزمخشري مسبوق في استنباط هذا المعنى. فقد أورده الراغب في مفرداته: ٤٣٥ (سوف) فقال: "وقوله {فسوف تعلمون} تنبيه أن ما يطلبونه وإن لم يكن في الوقت حاصلاً فهو مما يكون بعد لا محالة". والراغب توفي في أوائل القرن الخامس. وقد نقل الزركشي (٢٨٠:٤ - ٢٨١) ما قاله الزمخشري في تفسير قوله تعالى: {أولئك سيرحمهم الله} ثم قال: "ومثله قول سيبويه في قوله {فسيكفيكهم الله}: معنى السين أن ذلك كائن لا محالة، وإن تأخرت إلى حين". ولم أجد هذا النص في كتاب سيبويه. وهو موجود بحروفه في الكشاف ١: ١٩٦ إلاّ أن فيه: "وإن تأخر". فأخشى أن يكون الزركشي قد وهم. وانظر عضيمة ١/ ٢/ ١٧٢.
(٢) وانظر كلاماً يشبه هذا للزمخشري في تأويل "لعلّ" في بعض المواضع إما كانت من الله تعالى. الكشاف ١:٩٢ (البقرة: ٢١).

<<  <   >  >>