للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثبت لكان تأويلاً واضحاً.

وإمّا أن يكون بمعنى إلقاء الأماني والظنون، كما قال أفْنُون، وهو جاهلي (١):

ولا خَيْرَ فيما كذَّب المرءُ نَفْسَهُ ... وتَقْوَالِه لِلشيءِ يا لَيْتَ ذالِيَا (٢)

أي لا خير فيما يحدِّث المرء نفسه من الأماني والآمال الكاذبة.

وقال عَبيد بن الأبرص:

والمرءُ ما عَاشَ فِي تكذِيبٍ ... طُولُ الحياةِ لَهُ تَعْذِيبُ (٣)


= لله أنداداً وتزعم أن لا بعث، بعد هذه الدلائل" وانظر القرطبي ٢٠: ١١٦. أما الزمخشري فلم يخالفهم في معنى الآية، ولكنه سلك مسلكاً آخر للوصول إليه، لا يقلّ غرابة عن الأول، فقال في الكشاف (٧٧٤:٤): "فإن قلتَ: {فَمَا يُكَذِّبُكَ} مَن المخاطب به؟ قلتُ: هو خطاب للإنسان على طريقة الالتفات: أي فما يجعلك كاذباً بسبب الدين وإنكاره بعد هذا الدليل: يعني أنك تكذِب إذا كذَّبت بالجزاء، لأن كل مكذّب بالحق فهو كاذب، فأي شيء يضطرك إلى أن تكون كاذباً بسبب تكذيب الجزاء؟ ". ولخص هذا القول النيسابوري في غرائب القرآن ٣٠: ١٢٩ فقال: "يعني فأي شيء يلجئك بعد هذه البيانات إلى أن تكون كاذباً بسبب تكذيب الجزاء، لأنّ كل مكذب بالحق فهو كاذب".
فالتكذيب عند الزمخشري بمعنى الحمل على الكذب، والباء للسببية. والحق أنّ كلا القولين من الغرابة بمكان وأشبه بالغلط والوهم، فالتكذيب في اللغة لا يعرف بمعنى الحمل على التكذيب ولا الحمل على الكذب.
(١) اسمه صُرَيْم بن مَعْشَرٍ، ولقبه "أُفنُون" يروىَ بضم الهمزة وفتحها. من شعراء بني تغلب المشهورين في الجاهلية.
النقائض: ٨٨٦، ابن قتيبة: ٤١٩، شرح الأنباري: ٥٢٢ - ٥٢٣، الآمدي ٢٢٥، اللآلي: ٦٨٤ - ٦٨٥، شرح الأبيات ١:٢٥٣ - ٢٥٤.
(٢) من أبيات له، أنشدها قبل موته، في المفضليات: ٢٦١، وشرح الأنباري: ٥٢٣، والتبريزي: ١١٥٧، وفي حماسة البحتري: ٨٦٤، ورواية المفضليات: "فلا خير فيما يكذب".
(٣) البيت من مجمهرته في الديوان: ١٥ وجمهرة الأشعار: ٤٧٤، ومثله قول لبيد بن ربيعة في ديوانه ٣: =

<<  <   >  >>