و (العصر) لآخر النهار من جهة ذهاب النهار (والعصارة)، ومنه (عنصر) الشيء. فكلمة العصر تذكرهم الأيام الخالية وتوجههم من صفات الزمان إلى زواله وسرعة ذهابه. والأولى عبرة لهم بما جلب على الإنسان من حكم الله فيهم حسب أعمالهم، والثانية تحرّضهم على التشمير لكسب ما ينفعه من زمان أجلى صفته سرعة الزوال".
ومن الشواهد التي أوردها في كتاب المفردات قول رُبَيع بن ضبع:
أصبح مني الشباب قد حسرا ... إن ينأَ عني فقد ثوى عُصُرا
وقول أبي حُزابة:
وكنا حسبناهم فوارسَ كَهمسٍ ... حيُوا بعد ما ماتوا من الدهر أعصرا
وقول مسعود بن مَصاد الكلبي:
قد كنتُ في عُصُرٍ لا شيء يعدلُه ... فبان مني وهذا بعده عُصُرُ
وفسّره الفراهي بقوله: "أي هذا الزمان بعد ذلك أيضاً ماض ومارّ" ومن الشواهد التي علق عليها الفراهي خلال قراءته لدواوين الشعر الجاهلي قول عبد الله بن سلمة الغامدي من قصيدة له:
فإن تشِب القرون فذاك عصر ... وعاقبةُ الأصاغر أن يشيبوا
علق عليه بقوله: "فذاك عصر، أي فذاك الدهر شأنه أن يمر".
ومن أوضح الشواهد التي وقعت عليها قول لبيد بن النِّمس الغساني.
والشواهد على ما ذكره المؤلف كثيرة جداً. وقد وقعت بأخرة على نصّ يدلّ على أن بعض العلماء قد فطن قديماً لما ذهب إليه الفراهي، فقال المرزوقي في كتاب الأزمنة والأمكنة (١:٢٥٥): "وحكى بعضهم أن العصر لما قد سلف، ولم يجىء في شعر الفحولة إلا كذلك ... ".