للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وتجعله إغاثةً للفزع المروّع، وتجعله استغاثة. فأما الفزع بمعنى الاستغاثة، فإنه جاء في الحديث أنه فزع أهل المدينة ليلاً فركب النبي - صلى الله عليه وسلم - فرساً لأبي طلحة عرياً، فلما رجع قال: لن تراعوا، إني وجدته بحراً. معنى قوله فزع أهل المدينة: أي استصرخوا وظنوا أن عدواً أحاط بهم". وقد ردّ علي بن حمزة البصري (ت ٣٧٥ هـ) على المبرد ردّاً شديداً في تنبيهاته (ص ٩١) فقال: "أكثر هذا الكلام فاسد، وهو كلام متخبط لم يعرف حقيقة الفزع ... وقد تخبط في هذا الحرف قبل أبي العباس وبعده جماعة من الرواة كل واحد منهم أضبط من أبي العباس، ولم يغن عنهم ضبطهم فيه شيئاً". ثم قال: "الفزع في كلام العرب على معنيين، وكذلك الإفزاع أيضاً على معنيين، فأحد معنيي الفزع الخوف ... ومن هذا الفزع الخوف قول سلامة بن جندل الذى أنشده أبو العباس: (كنا إذا ما أتانا صارخ فزع) يريد خائفاً مستغيثاً مستنصراً، وهذه كلها صفات الخائف. وأما المعنى الآخر من الفزع والإفزاع هو الإغاثة. تقول: فزع فلان فلاناً، إذا أغاثه، ومن هذا قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المقدم ذكره. وقد أوضح هذا وأبانه الشماخ، وقد وصف إبلاً فقال:
إذا دعت غوثها ضرّاتُها فزعت ... أطباقُ نيّ على الأثباج منضودِ
يقول: إذا قلّ لبن ضراتها نصرتها الشحوم التي على ظهورها فأمدّتها باللبن ... ومن هذا قول الكلحبة اليربوعي الذي أنشده أبو العباس ولم يتأت لتلخيصه وروايته ... وقد قالوا في الإفزاع: فزعت إلى فلان فأفزعني أي لجأت إليه فنصرني، وقالوا أيضاً: فزعني فزعاً أي نصرني والأول أعلى".
وقد غلّط البطليوسي (ت ٥٢١ هـ) أيضاً أبا العباس في طرره على الكامل فقال (القرط: ١٩٦): "هذا غلط من أبي العباس، لأنه أوهم أنه جاء بوجهين، وهما واحد في الحقيقة لأن الاستنجاد والاستصراخ هما من الذعر، ثم قال: (ويشتق من هذا المعنى) فأوهم أنه معنى ثالث، وهذا كله تخليط، وإنما كان يجب أن يقول: إن الفزع في كلام العرب على وجهين: أحدهما الذعر، والآخر الإغاثة والنصر، ثم ينشد بيت سلامة شاهداً على المعنى الأول، وبيت الكلحبة شاهداً على المعنى الثاني، وإنما غلّط أبا العباس في هذا أنه رأى العرب تقول: فزعت إلى فلان، فتوهمه وجهاً آخر غير الذعر، وكذلك فزعت إلى الله، وهذا كله راجع إلى معنى الذعر".
وجعل ابن فارس (ت ٣٩٥ هـ) في المقاييس (٤: ٥٠١) مادة فزع أصلين صحيحين "أحدهما الذعر، والآخر الإغاثة" وجعل الحديث المذكور وقول الكلحبة وقول سلامة كل ذلك من الإغاثة! =

<<  <   >  >>