بسبب العصبية للمذهب، والانتصار له بكل سبيل، ومن المفارقات أن ابن الجوزي قرَّع الخطيب البغدادى، ونكل به لأنه صنف كتابا فى القنوت والجهر بالبسملة فأورد الأحاديث بأسانيدها ولم يتكلم عليها جرحا وتعديلا، وتضعيفا وتصحيحا، واتهمه بالعصبية للمذهب.
فقال فى " كتاب التحقيق "(٢ / ١٠٧٨) : " وأما حديث دينار، فإيراد الخطيب له محتجا به مع السكوت عن القدح فيه، وقاحة عند علماء النقل، وعصبية باردة، وقلة دين! ، لأنه يعلم أنه باطل ... فواعجبا للخطيب، أما سمع فى الحديث الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من حدَّث عنى حديثا يرى أنه كذب، فهو أحد الكذابين " هل مَثَلُهُ إلا كمثل من أنفق بهرجاً ودلَّسه، فإن أكثر الناس لا يعرفون الكذب من الصحيح، وإذا أورد الحديث محدثٌ حافظٌ، وقع فى النفوس أنه ما احتج به إلا وهو صحيحٌ، ولكن عصبيتُهُ معروفة، ومن نظر من علماء النقل فى كتابه الذى صنفه فى " القنوت "، وكتابه الذى صنفه فى " الجهر " و" مسألة الغيم "، واحتجاجه بالأحاديث التى يعلم وهاءها، علم فرط عصبيته.. ثم قال بعد كلام: والبهارج لا تخفى على النقاد " اهـ.
كذا قال ابن الجوزى رحمه الله! ولستُ أردُّ عليه، بل يرد عليه ما ذكرته آنفاً من صنيعه، ولم ينج من العصبية إلا قلائل من الخلق، ممن غلب عليهم الإنصاف ومحبة ظهور الحق ولو على لسان الخصم، وكان هذا كثيراً فى القرون الثلاثة الأول، ثم بدأ يتناقص حتى لا تكاد ترى رجلا منصفا، بل يُقوِّلُونك ما لم تقله، بل وما لم يخطر لك على بال ثم يلزمونك بما افتروه، ويشيعونه بين الخلق، حتى لقد مرَّ علىَّ زمان هممت أن لا أخرج من بيتى إلا لصلاة الجماعة وقضاء حوائجى لولا ما يؤرقنى من ترك الناس هملاً بعد