للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد جعل الرسول صلوات الله عليه فداء الأسرى من المشركين أن يعلموا فريقًا من أبناء المسلمين القراءة والكتابة، فلم ير صلوات الله عليه حرجًا في أن يتعلم أبناء المسلمين هذا النوع من العلم على أيدي المشركين، وذلك حرصًا منه على دفع المجتمع الإسلامي في المدينة إلى الترقي في معارج الحضارة.

وسيرًا في حدود هذا المنهج الإسلامي العام وجدنا العصور الذهبية للمسلمين تفتح صدرها لامتصاص المعارف الإنسانية المادية التي خلفتها في الأمم والشعوب حضارات سالفات منقرضات.

وقد امتص المسلمون بسرعة فائقة ما خلفه اليونان الإغريق من علوم فلسفية وعقلية، وما خلفه الفرس من حكم وآداب وخبرات سياسية، وما كان لدى مختلف الأمم التي التفت مع المسلمين لقاء مودة أو لقاء خصام.

ثم أخذوا بتحرير هذه العلوم، وتنقيتها من الشوائب, وتطويرها وتنميتها، وصقلها، وإصلاح فاسدها، مسترشدين بالمنهج العلمي العام الذي رسمه للمسلمين مصدرا التشريع الإسلامي العظيمان القرآن والسنة، كل ذلك فيما لم يكن من خصائص الشريعة الإسلامية بيانه، وتحديد أصوله وفروعه، كأصول الاعتقاد وأحكام العبادات، وأحكام المعاملات، ونظم الحياة الفردية والاجتماعية التي رسم الإسلام للناس طريقها، وأوضح لهم صراطها المستقيم.

يقول المؤرخ الدمشقي المرحوم "محمد كرد علي"١:

"وعمر بن عبد العزيز هو الذي أمر بنقل كتاب أهرن بن أعين في الطب إلى اللغة العربية، وهو الذي أمر عاصم بن عمر الأنصاري وكان عالمًا ثقة كثير الحديث أن يجلس في مسجد دمشق فيحدث الناس بالمغازي، ومناقب الصحابة، وقال له: إن بني مروان كانوا يكرهون هذا وينهون عنه، فاجلس فحدث الناس بذلك. وسبق حكيم آل مروان وعالم قريش خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان المتوفى سنة "٨٥هـ" إلى ترجمة كتب الفلاسفة والنجوم


١ في كتابه الإسلام والحضارة العربية ج١ ص١٦٥.

<<  <   >  >>