المفطورين على قوة الإبداع والنشاط لم يكتفوا بحال الطلب الذي اكتفت به أوروبا في القرون الوسطى، فلم يلبثوا أن تحرروا من ذلك الدور الأول.
ولم يلبث العرب بعد أن كانوا تلاميذ معتمدين على كتب اليونان أن أدركوا أن التجربة والترصد خير من أفضل الكتب.
ويُعزى إلى "بيكن" على العموم أنه أول من أقام التجربة والترصد اللذين هما ركن المنهاج العلمية الحديثة مقام الأستاذ، ولكنه يجب أن يعترف اليوم بأن ذلك كله من عمل العرب وحدهم.
ويقول أيضًا:
وقد منح اعتماد العرب على التجربة مؤلفاتهم دقة وإبداعًا لا ينتظر مثلهما من رجل تعود درس الحوادث في الكتب.
ونشأ عن منهاج العرب التجريبي وصولهم إلى اكتشافات مهمة.
ولما آل العلم إلى العرب حولوه إلى غير ما كان عليه، فتلقاه ورثتهم مخلوقًا خلقًا آخر.
وأنشأ العرب بسرعة حضارة جديدة كثيرة الاختلاف عن الحضارات التي ظهرت قبلها.
ويتكلم لوبون عن المسلمين في الأندلس فيقول: لم يكد العرب يتمون فتح إسبانية حتى بدءوا يقومون برسالة الحضارة فيها، فاستطاعوا في أقل من قرن أن يحييوا ميت الأرضين، ويعمروا خرب المدن, ويقيموا فخم المباني، ويوطدوا وثيق الصلات التجارية بالأمم الأخرى، ثم شرعوا يتفرغون لدراسة العلوم والآداب، ويترجمون كتب اليونان واللاتين، وينشئون الجامعات التي ظلت وحدها ملجأ للثقافة في أوروبة زمنًا طويلًا". ا. هـ.
ونقل الأستاذ "محمد فريد وجدي" في كتابه "الإسلام دين عام خالد" ما يلي: