لا تتقبل الحقائق العلمية التي تأتيها من الأمم والشعوب الأخرى، غابرة كانت أم حاضرة، لما بلغوا ما بلغوه من مجد عظيم، في أقصر حقبة عرفها تاريخ الحضارات الإنسانية.
لكن الأسس الإسلامية علمت المسلمين أن يفتحوا عقولهم للناس جميعًا، بالأخذ والعطاء، وذلك لأن الحقيقة جوهرة عالمية، فهي ملك مشاع للناس جميعًا، لا تقبل استئثارًا ولا تتحمل قسمة ولا نزاعًا، فمن عرفها ابتكارًا أو اقتباسًا واعترف بها واهتدى بهديها فهو أحق بها، تنسب إليه وينسب إليها، ويدخل في زمرة أنصار الحقيقة، كما أن الحقيقة تتبرأ ممن لا يعترف بها، ولا يهتدي بهديها، وإن كان ممن ساهم باستنباطها، أو ابتكارها، أو انفرد بذلك.
وكم حرمت أمم نفسها من التقدم والارتقاء بدافع الأنانية الذاتية، والعصبية القومية المقيتة، وبسبب عزوفها عن اقتباس معارف الآخرين وعلومهم الصحيحة.
ولقد هيأ للمسلمين الأولين هذا الانفتاح الفكري لتلقف المعارف الحقة واقتباسها، واكتساب الكمالات الإنسانية سبقًا حضاريًّا فذا، لم يضارعه تقدم حضاري لأية أمة من الأمم السالفة.
ويدهش المؤرخ الفرنسي العلامة "غوستاف لوبون" فيقول١:
"إن حماسة المسلمين في دراسة المدنية اليونانية واللاتينية مدهشة حقيقة.
والإنسان يقضي العجب من الهمة التي أقدموا بها على البحث، وإذا كانت هناك أمم قد تساوت هي والعرب في ذلك فإنه لا تجد أمة فاقت العرب على ما يحتمل".
ويقول لوبون أيضًا:
"كانت معارف اليونان واللاتين القديمة أساسًا لثقافة متعلمي العرب في الدور الأول، وكان هؤلاء كالطلاب الذين يتلقون في المدرسة ما ورثه الإنسان من علوم الأولين، وكان اليونان أساتذة العرب الأولين إذن، ولكن العرب